وكيف كان فقوله: " طائركم معكم ظاهر معناه أن الذي ينبغي أن تتشأموا به هو معكم وهو حالة إعراضكم عن الحق الذي هو التوحيد واقبالكم إلى الباطل الذي هو الشرك.
وقيل: المعنى طائركم أي حظكم ونصيبكم من الخير والشر معكم من أفعالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، هذا وهو أخذ الطائر بالمعنى الثاني لكن قوله بعد: " أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون " أنسب بالنسبة إلى المعنى الأولى.
وقوله: " أئن ذكرتم " استفهام توبيخي والمراد بالتذكير تذكيرهم بالحق من وحدانيته تعالى ورجوع الكل إليه ونحوهما وجزاء الشرط محذوف في الكلام تلويحا إلى أنه مما لا ينبغي أن يذكر أو يتفوه به والتقدير أإن ذكرتم بالحق قابلتموه بمثل هذا الجحود الشنيع والصنيع الفظيع من التطير والتوعد.
وقوله: " بل أنتم قوم مسرفون " أي مجاوزون للحد في المعصية وهو إضراب عما تقدم والمعنى بل السبب الأصلي في جحودكم وتكذيبكم للحق أنكم قوم تستمرون على الاسراف ومجاوزة الحد.
قوله تعالى: " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين " أقصى المدينة أبعد مواضعها بالنسبة إلى مبدء مفروض، وقد بدلت القرية في أول الكلام مدينة هنا للدلالة على عظمها والسعي هو الاسراع في المشي.
ووقع نظير هذا التعبير في قصة موسى والقبطي وفيها " وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى " فقدم " رجل " هناك وأخر ههنا ولعل النكتة في ذلك أن الاهتمام هناك بمجيئ الرجل وإخباره موسى بائتمار الملاء لقتله فقدم الرجل ثم أشير إلى اهتمام الرجل نفسه بإيصال الخبر وإبلاغه فجيئ بقوله: " يسعى " حالا مؤخرا بخلاف ما ههنا فالاهتمام بمجيئه من أقصى المدينة ليعلم أن لا تواطؤ بينه وبين الرسل في أمر الدعوة فقدم " من أقصى المدينة " وأخر الرجل وسعيه.
وقد اشتد الخلاف بينهم في اسم الرجل واسم أبيه وحرفته وشغله ولا يهمنا الاشتغال بذلك في فهم المراد ولو توقف عليه الفهم بعض التوقف لاشار سبحانه في كلامه إليه ولم يهمله.