مرسلون من جانب الله.
قوله تعالى: " قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمان من شئ إن أنتم إلا تكذبون " كانوا يرون أن البشر لا ينال النبوة والوحي، ويستدلون على ذلك بأنفسهم حيث لا يجدون من أنفسهم شيئا من ذاك القبيل فيسرون الحكم إلى نفوس الأنبياء مستندين إلى أن حكم الأمثال واحد.
وعلى هذا التقرير يكون معنى قوله: " وما أنزل الرحمن من شئ " لم ينزل الله وحيا ولو نزل شيئا على بشر لنلناه من نفوسنا كما تدعون أنتم ذلك، وتعبيرهم عن الله سبحانه بالرحمن إنما هو لكونهم كسائر الوثنيين معترفين بالله سبحانه واتصافه بكرائم الصفات (1) كالخلق والرحمة والملك غير أنهم يرون أنه فوض أمر التدبير إلى مقربي خلقه كالملائكة الكرام فهم الأرباب المدبرون والآلهة المعبودون، وأما الله عز اسمه فهو رب الأرباب وإله الالهة.
ومن الممكن أن يكون ذكر اسم الرحمان في الحكاية دون المحكي فيكون التعبير به لحلمه ورحمته تعالى قبل إنكارهم وتكذيبهم للحق الصريح.
وقوله: " إن أنتم إلا تكذبون " بمنزلة النتيجة لصدر الآية، ومحصل قولهم أنكم بشر مثلنا ولا نجد نحن على بشريتنا في نفوسنا شيئا من الوحي النازل الذي تدعونه وأنتم مثلنا فما أنزل الرحمان شيئا من الوحي فدعواكم كاذبة وإذ ليس لكم إلا هذه الدعوى فإن أنتم إلا تكذبون.
ويظهر بما تقدم نكتة الحصر في قوله: " إن أنتم إلا تكذبون " وكذا الوجه في نفي الفعل ولم يقل: " إن أنتم إلا كاذبون لان المراد نفي الفعل في الحال دون الاستمرار والاستقبال.
قوله تعالى: " قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين " لم يحك الله سبحانه عن هؤلاء الرسل جوابا عن حجة قومهم، ما أنتم إلا بشر مثلنا " الخ.