نعمة في سلامة وصحة وعافية، وتوجيه النهي عن الغرور إلى تقلبهم في البلاد كناية عن نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الاغترار بما يشاهده منهم أن يحسب أنهم أعجزوه سبحانه.
قوله تعالى: " كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم " الخ في مقام الجواب عما يسبق إلى الوهم أنهم استكبروا وجادلوا في آيات الله فلم يكن بهم بأس وسبقوا في ذلك.
ومحصل الجواب: أن الأمم الماضين كقوم نوح والأحزاب من بعدهم كعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم سبقوا هؤلاء إلى مثل صنيعهم من التكذيب والجدال بالباطل وهموا برسولهم ليأخذوه فحل بهم العقاب وكذلك قضى في حق الكفار العذاب فتوهم أن هؤلاء سبقوا الله إلى ما يريد توهم باطل.
فقوله: " كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم " دفع للدخل السابق ولذا جيئ بالفصل، وقوله: " وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه " يقال: هم به أي قصده ويغلب فيه القصد بالسوء أي قصدوا رسولهم ليأخذوه بالقتل أو الاخراج أو غيرهما كما قصه الله تعالى في قصصهم.
وقوله: " وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " الادحاض الإزالة والابطال وقوله: " فأخذتهم " أي عذبتهم، وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم وحده والنكتة فيه الإشارة إلى أن أمرهم في هذا الطغيان والاستكبار إلى الله وحده لا يدخل بينه وبينهم أحد بنصرة أو شفاعة كما قال: " فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد " الفجر: 14.
وقوله: " فكيف كان عقاب " توجيه لذهن المخاطب إلى ما يعلمه من كيفية إهلاكهم وقطع دابرهم ليحضر شدة ما نزل بهم وقد قصه الله فيما قص من قصصهم.
قوله تعالى: " وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار " ظاهر السياق أن المشبه به هو ما في الآية السابقة من أخذهم وعقابهم، والمراد بالذين كفروا مطلق الكفار من الماضين، والمعنى كما أخذ الله المكذبين من الماضين بعذاب الدنيا كذلك حقت كلمته على مطلق الكافرين بعذاب الآخرة، والذين كفروا من قومك منهم.