آيات الله بالباطل جهلا وهم يحسبونه علما ويعتزون به كما حكى ذلك عنهم في خاتمة السورة بقوله: " فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم " وكما حكى عن فرعون قوله لقومه في موسى: " إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد " وقوله لهم: " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ".
افتتح الكلام في السورة بما فيه إشارة إلى أن هذا الكتاب النازل عليهم تنزيل ممن هو عزيز على الاطلاق لا يغلبه غالب حتى يخاف على ما نزله من استعلائهم و استكبارهم بحسب أوهامهم، عليم على الاطلاق لا يداخل علمه جهل وضلال فلا يقاوم جدالهم بالباطل ما نزله من الحق وبينه بحججه الباهرة.
ويؤيد هذا الوجه ما في الآية التالية من قوله: " غافر الذنب وقابل التوب " الخ على ما سنبين.
قوله تعالى: " غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير " الاتيان بصيغة اسم الفاعل في " غافر الذنب وقابل التوب " - لعله - للدلالة على الاستمرار التجددي فإن المغفرة وقبول التوب من صفاته الفعلية ولا يزال تعالى يغفر الذنب ثم يغفر ويقبل التوب ثم يقبل.
وإنما عطف قابل التوب على ما قبله دون " شديد العقاب ذي الطول " لان غافر الذنب وقابل التوب مجموعهما كصفة واحدة متعلقة بالعباد المذنبين يغفر لهم تارة بتوبة و تارة بغيرها كالشفاعة.
والعقاب والمعاقبة المؤاخذة التي تكون في عاقبة الذنب قال الراغب: والعقب والعقبى يختصان بالثواب نحو خير ثوابا وخير عقبا، وقال تعالى: وأولئك لهم عقبى الدار، والعاقبة إطلاقها يختص بالثواب نحو والعاقبة للمتقين، وبالإضافة قد تستعمل في العقوبة نحو ثم كان عاقبة الذين أساؤا، وقوله: فكان عاقبتهما أنهما في النار يصح أن يكون ذلك استعارة من ضده، والعقوبة والمعاقبة والعقاب تختص بالعذاب. انتهى.
فشديد العقاب كذي انتقام من أسماء الله الحسنى تحكي صفته تعالى في جانب العذاب كما يحكي الغفور والرحيم صفته تعالى في جانب الرحمة.