سبحانه هو المدبر لأمرهم وأنهم إليه راجعون سيحاسبهم على ما عملوا.
قوله تعالى: " أم اتخذوا من دون الله شفعاء " الخ " أم " منقطعة أي بل اتخذ المشركون من دون الله شفعاء وهم آلهتهم الذين يعبدونهم ليشفعوا لهم عند الله سبحانه كما قال في أول السورة: " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " وقال: " يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله " يونس: 18.
وقوله: " قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون " أمر بأن يرده عليهم بالمناقشة في إطلاق كلامهم فإن من البديهي أن الشفاعة تتوقف على علم في الشفيع يعلم به ما يريد؟ وممن يريد؟ ولمن يريد؟ فلا معنى لشفاعة الجهاد الذي لا شعور له وكذا تتوقف على أن يملك الشفيع الشفاعة ويكون له حق أن يشفع ولا ملك لغير الله إلا أن يملكه الله شيئا ويأذن له في التصرف فيه فقولهم بشفاعة أوليائهم مطلقا الشامل لما لا يملكونه ولا علم لهم بإذنه تعالى لهم فيها تخرص.
فالاستفهام في " أو لو كانوا " الخ للانكار والمعنى قل لهم: هل تتخذونهم شفعاء لكم ولو كانوا لا يملكون من عند أنفسهم شيئا كالملائكة ولا يعقلون شيئا كالأصنام؟ فإنه سفه.
قوله تعالى: " قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض " الخ توضيح وتأكيد لما مر من قوله: " قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا " واللام في " لله " للملك، وقوله: " له ملك السماوات والأرض " في مقام التعليل الجملة السابقة، والمعنى كل شفاعة فإنها مملوكة لله فإنه المالك لكل شئ إلا أن يأذن لاحد في شئ منها فيملكه إياها، وأما استغلال بعض عباده كالملائكة يملك الشفاعة مطلقا كما يقولون فمما لا يكون قال تعالى: " ما من شفيع إلا من بعد إذنه " يونس: 3.
وللآية معنى آخر أدق إذا انضمت إلى مثل قوله تعالى: " ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع " الانعام: 51 وهو أن الشفيع بالحقيقة هو الله سبحانه وغيره من الشفعاء لهم الشفاعة بإذن منه فقد تقدم في بحث الشفاعة في الجزء الأول من الكتاب أن الشفاعة ينتهي إلى توسط بعض صفاته تعالى بينه وبين المشفوع له لاصلاح حاله كتوسط الرحمة والمغفرة بينه وبين عبده المذنب لانجائه من وبال الذنب وتخليصه من العذاب.
والفرق بين هذا الملك وما في الوجه السابق أن المالك لا يتصف بمملوكه في الوجه