عن قول القائل منهم: " إنما أوتيته على علم " وقد كان الجواب الأول " قد قالها الذين من قبلهم " الخ جوابا من طريق النقض وهذا جواب من طريق المعارضة بالإشارة إلى دلالة الدليل على أن الله سبحانه هو الذي يبسط الرزق ويقدر.
بيان ذلك: أن سعي الانسان عن علم وإرادة لتحصيل الرزق ليس سببا تاما موجبا لحصول الرزق وإلا لم يتخلف ومن البين خلافه فكم من طالب رجع آيسا وساع خاب سعيه.
فهناك علل وشرائط زمانية ومكانية و موانع مختلفة باختلاف الظروف خارجة عن حد الاحصاء إذا اجتمعت وتوافقت أنتج ذلك حصول الرزق.
وليس اجتماع هذه العلل والشرائط على ما فيها من الاختلاف و التشتت والتفرق من مادة وزمان ومكان ومقتضيات اخر مرتبطة بها مقارنة أو متقدمة وعلل العلل ومقدماتها الذاهبة إلى ما لا يحصى، اجتماعا وتوافقا على سبيل الاتفاق فإن الاتفاق لا يكون دائميا ولا أكثريا وقانون ارتزاق المرتزقين الشامل للموجودات الحية بل المنبسط على أقطار العالم المشهود وأرجائه ثابت محفوظ في نظام جار على ما فيه من السعة والانبساط ولو انقطع لهلكت الأشياء لأول لحظة ومن فورها.
وهذا النظام الجاري بوحدته وتناسب أجزاؤه وتلاؤمها يكشف عن وحدانية ناظمة وفردانية مدبره ومديره الخارج عن أجزاء العالم المحفوظة بنفس النظام الباقية به وهو الله عز اسمه.
على أن النظام من التدبير والتدبير من الخلق كما مر مرارا فخالق العالم مدبره ومدبره رازقه وهو الله تعالى شأنه.
ويشير إلى هذا البرهان في الآية قوله: " لمن يشاء " فإنه إذا كان بسط الرزق وقدره بمشيته تعالى لم يكن بمشية الانسان الذي يتبجح بعلمه وسعيه ولا بمشية شئ من العلل والأسباب وإيجابه كما هو ظاهر وليس من قبيل الاتفاق بل هو على نظام جار فهو بمشية جاعل النظام ومجريه وهو الله سبحانه.
وقد تقدم كلام في معنى الرزق في ذيل قوله تعالى: " وترزق من تشاء بغير حساب " آل عمران: 27 وسيأتي كلام فيه في تفسير قوله: " فو رب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون " الذاريات: 23 إن شاء الله تعالى.