تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣١٧
توصيفه في آية أخرى بالقدس يشير إلى ذلك.
وقوله: " نزل به الروح " الباء للتعدية أي نزله الروح الأمين، وأما قول من قال: إن الباء للمصاحبة والمعنى نزل معه الروح فلا يلتفت إليه لان العناية في المقام بنزول القرآن لا بنزول الروح مع القرآن.
والضمير في " نزل به " للقرآن بما أنه كلام مؤلف من ألفاظ لها معانيها الحقة فإن ألفاظ القرآن نازلة من عنده تعالى كما أن معانيها نازلة من عنده على ما هو ظاهر قوله: " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " القيامة: 18، وقوله: " تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق " آل عمران: 108، الجاثية: 6، إلى غير ذلك.
فلا يعبؤ بقول من قال: إن الذي نزل به الروح الأمين إنما هو معاني القرآن الكريم ثم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعبر عنها بما يطابقها ويحكيها من الألفاظ بلسان عربي.
وأسخف منه قول من قال: إن القرآن بلفظه ومعناه من منشآت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألقته مرتبة من نفسه الشريفة تسمى الروح الأمين إلى مرتبة منها تسمى القلب.
والمراد بالقلب المنسوب إليه الادراك والشعور في كلامه تعالى هو النفس الانسانية التي لها الادراك واليها تنتهي أنواع الشعور والإرادة دون اللحم الصنوبري المعلق عن يسار الصدر الذي هو أحد الأعضاء الرئيسة كما يستفاد من مواضع في كلامه تعالى، كقوله: " وبلغت القلوب الحناجر " الأحزاب: 10، أي الأرواح، وقوله: " فإنه آثم قلبه " البقرة: 283، أي نفسه إذ لا معنى لنسبة الاثم إلى العضو الخاص.
ولعل الوجه في قوله: " نزل به الروح الأمين على قلبك " دون أن يقول: عليك هو الإشارة إلى كيفية تلقيه صلى الله عليه وآله وسلم القرآن النازل عليه، وأن الذي كان يتلقاه من الروح هو نفسه ان شريفة من غير مشاركة الحواس الظاهرة التي هي الادوات المستعملة في إدراك الأمور الجزئية.
فكان صلى الله عليه وآله وسلم يرى ويسمع حينما كان يوحي إليه من غير أن يستعمل حاستي البصر والسمع كما روي أنه كان يأخذه شبه إغماء يسمي برجاء الوحي.
فكان صلى الله عليه وآله وسلم يرى الشخص ويسمع الصوت مثل ما نرى الشخص ونسمع الصوت غير أنه ما كان يستخدم حاستي بصره وسمعه الماديتين في ذلك كما نستخدمهما.
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»
الفهرست