تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣١٦
والتنزيل الانزال بمعنى واحد، غير أن الغالب على باب الافعال الدفعة وعلى باب التفعيل التدريج، وأصل النزول في الأجسام انتقال الجسم من مكان عال إلى ما هو دونه وفي غير الأجسام بما يناسبه.
وتنزيله تعالى إخراجه الشئ من عنده إلى موطن الخلق والتقدير وقد سمى نفسه بالعلي العظيم والكبير المتعال ورفيع الدرجات والقاهر فوق عباده فيكون خروج الشئ بإيجاده من عنده إلى عالم الخلق والتقدير - وإن شئت فقل: إخراجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة - تنزيلا منه تعالى له.
وقد استعمل الانزال والتنزيل في كلامه تعالى في أشياء بهذه العناية كقوله تعالى:
" يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم " الأعراف: 26، وقوله: " وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج " الزمر: 6، وقوله: " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد " الحديد: 25، وقوله: " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم " البقرة: 105، وقد أطلق القول في قوله: " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم " الحجر: 21.
ومن الآيات الدالة على اعتبار هذا المعنى في خصوص القرآن قوله تعالى: " إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم " الزخرف: 4.
وقد أضيف التنزيل إلى رب العالمين للدلالة على توحيد الرب تعالى لما تكرر مرارا أن المشركين إنما كانوا يعترفون به تعالى بما أنه رب الأرباب ولا يرون أنه رب العالمين.
قوله تعالى: " نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين " المراد بالروح الأمين هو جبريل ملك الوحي بدليل قوله: " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " البقرة: 97، وقد سماه في موضع آخر بروح القدس:
" قل نزله روح القدس من ربك بالحق " النحل: 102، وقد تقدم في تفسير سورتي النحل والاسراء ما يتعلق بمعنى الروح من الكلام.
وقد وصف الروح بالأمين للدلالة على أنه مأمون في رسالته منه تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لا يغير شيئا من كلامه تعالى بتبديل أو تحريف بعمد أو سهو أو نسيان كما أن
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»
الفهرست