وأما كون ثواب الأعمال من الفضل بالنظر إلى كون عمل العبد كنفسه لله فلا ينافي فضلا آخر منه تعالى على عبده باعتبار عمله ملكا له، ثم جعل ما يثيبه عليه أجرا لعمله، والقرآن ملئ بحديث الاجر على الأعمال الصالحة، وقد قال تعالى: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " براءة: 111.
قوله تعالى: " وما تنزلت به الشياطين - إلى قوله - لمعزولون " شروع في الجواب عن قول المشركين: إن لمحمد جنا يأتيه بهذا الكلام، وقولهم: إنه شاعر، وقدم الجواب عن الأول وقد وجه الكلام أولا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبين له أن القرآن ليس من تنزيل الشياطين وطيب بذلك نفسه ثم وجه القول إلى القوم فبينه لهم بما في وسعهم أن يفقهوه.
فقوله: " وما تنزلت به الشياطين " أي ما نزلته والآية متصلة بقوله: " وإنه لتنزيل رب العالمين " ووجه الكلام كما سمعت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدليل قوله تلوا: " فلا تدع مع الله إلها آخر " إلى آخر الخطابات المختصة به صلى الله عليه وآله وسلم المتفرعة على قوله: " وما تنزلت به " الخ، على ما سيجئ بيانه.
وإنما وجه الكلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون القوم لأنه معلل بما لا يقبلونه بكفرهم أعني قوله: " إنهم عن السمع لمعزولون " والشيطان الشرير وجمعه الشياطين والمراد بهم أشرار الجن.
وقوله: " وما ينبغي لهم " أي للشياطين. قال في مجمع البيان: ومعنى قول العرب: ينبغي لك أن تفعل كذا أنه يطلب منك فعله في مقتضى العقل من البغية التي هي الطلب. انتهى.
والوجه في أنه لا ينبغي لهم أن يتنزلوا به أنهم خلق شرير لا هم لهم إلا الشر والفساد والاخذ بالباطل وتصويره في صورة الحق ليضلوا به عن سبيل الله، والقرآن كلام حق لا سبيل للباطل إليه فلا يناسب جبلتهم الشيطانية أن يلقوه إلى أحد.
وقوله: " وما يستطيعون " أي وما يقدرون على التنزل به لأنه كلام سماوي تتلقاه الملائكة من رب العزة فينزلونه بأمره في حفظ وحراسة منه تعالى كما قال:
" فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط