وذكر بعض المفسرين أن تصدير هذه القصص الخمس بذكر أمانة الرسل وعدم سؤالهم أعلى رسالتهم وأمرهم الناس بالتقوى والطاعة للتنبيه على أن مبنى البعثة هو الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرب المدعو من الثواب ويبعده من العقاب وإن الأنبياء ع مجتمعون على ذلك وإن اختلفوا في بعض فروع الشرائع المختلفة باختلاف الأزمنة الاعصار، وانهم منزهون عن المطامع الدنيوية بالكلية انتهى.
ونظيره الكلام في ختم جميع القصص السبع الموردة في السورة بقوله: " إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم "، ففيه دلالة على أن أكثر الأمم والأقوام معرضون عن آيات الله، وان الله سبحانه عزيز يجازيهم على تكذيبهم رحيم ينجي المؤمنين برحمته، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في الكلام على غرض السورة.
قوله تعالى: " اتبنون بكل ريع آية تعبثون " الريع هو المرتفع من الأرض والآية العلامة، والعبث الفعل الذي لا غاية له، وكأنهم كانوا يبنون على قلل الجبال وكل مرتفع من الأرض ابنيه كالاعلام يتنزهون فيها ويفاخرون بها من غير ضرورة تدعوهم إلى ذلك بل لهوا واتباعا للهوى فوبخهم عليه.
وقد ذكر للآية معان أخر لا دليل عليها من جهة اللفظ ولا ملاءمة للسياق اضربنا عنها.
قوله تعالى: " وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون "، المصانع على ما قيل:
الحصون المنيعة والقصور المشيدة والأبنية العالية واحدها مصنع.
وقوله: " لعلكم تخلدون " في مقام التعليل لما قبله أي تتخذون هذه المصانع بسبب أنكم ترجون الخلود ولولا رجاء الخلود ما عملتم مثل هذه الأعمال التي من طبعها أن تدوم دهرا طويلا لا يفي به أطول الاعمار الانسانية، وقيل في معنى الآية ومفرداتها وجوه أخرى أغمضنا عنها.
قوله تعالى: " وإذا بطشتم بطشتم جبارين " قال في المجمع: البطش العسف قتلا بالسيف وضربا بالسوط، والجبار العالي على غيره بعظيم سلطانه. وهو في صفة الله سبحانه مدح وفي صفة غيره ذم لان معناه في العبد أنه يتكلف الجبرية. انتهى.