تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٢٥
وهذا الاعتبار جار بعينه في الممثل له فإن نور الايمان والمعرفة نور مستعار مشرق على قلوب المؤمنين مقتبس من نوره تعالى قائم به مستمد منه.
فقد تحصل أن الممثل له هو نور الله المشرق على قلوب المؤمنين والمثل هو المشبه به النور المشرق من زجاجة على مصباح موقد من زيت جيد صاف وهو موضوع في مشكاة فإن نور المصباح المشرق من الزجاجة والمشكاة تجمعه وتعكسه على المستنيرين به يشرق عليهم في نهاية القوة والجودة.
فأخذ المشكاة للدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة وانعكاسه إلى جو البيت، واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية للدلالة على صفاء الدهن وجودته المؤثر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله وجودة الضياء على ما يدل عليه كون زيته يكاد يضئ ولو لم تمسسه نار، واعتبار كون النور على النور للدلالة على تضاعف النور أو كون الزجاجة مستمدة من نور المصباح في إنارتها.
وقوله: " يهدي الله لنوره من يشاء " استئناف يعلل به اختصاص المؤمنين بنور الايمان والمعرفة وحرمان غيرهم، فمن المعلوم من السياق أن المراد بقوله: " من يشاء " القوم الذين ذكرهم بقوله بعد: " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله " الخ، فالمراد بمن يشاء المؤمنون بوصف كمال إيمانهم.
والمعنى: أن الله إنما هدى المتلبسين بكمال الايمان إلى نوره دون المتلبسين بالكفر - الذين سيذكرهم بعد - لمجرد مشيته، وليس المعنى أن الله يهدي بعض الافراد إلى نوره دون بعض بميته ذلك حتى يحتاج في تتميمه إلى القول بأنه إنما يشاء الهداية إذا استعد المحل إلى الهداية بحسن السريرة والسيرة، وذلك مما يختص به أهل الايمان دون أهل الكفر فافهمه.
والدليل على ذلك ما سيأتي من قوله: " ولله ملك السماوات والأرض " إلى آخر الآيات بالبيان الآتي إن شاء الله.
وقوله: " ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم " إشارة إلى أن المثل المضروب تحته طور من العلم، وإنما اختير المثل لكونه أهل الطرق لتبيين الحقائق والدقائق ويشترك فيه العالم والعامي فيأخذ منه كل ما قسم له، قال تعالى:
(١٢٥)
مفاتيح البحث: التجارة (1)، البيع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست