تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٢٦
" وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " العنكبوت: 43.
قوله تعالى: " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه " الاذن في الشئ هو إعلام إرتفاع المانع عن فعله، والمراد بالرفع رفع القدر والمنزلة وهو التعظيم، وإذ كانت العظمة والعلو لله تعالى لا يشاركه في ذلك غيره إلا أن ينتسب إليه، وبمقدار ما ينتسب إليه فالاذن منه تعالى في أن ترفع هذه البيوت إنما هو لانتساب ما منها إليه.
وبذلك يظهر أن السبب لرفعها هو ما عطف عليه من ذكر اسمه فيها، والسياق يدل على الاستمرار أو التهيؤ له فيعود المعني إلى مثل قولنا: " أن يذكر فيها اسمه فيرتفع قدرها بذلك ".
وقوله: " في بيوت " متعلق بقوله في الآية السابقة: " كمشكاة " أو قوله:
" يهدي الله " الخ، والمال واحد، ومن المتيقن من هذه البيوت المساجد فإنها معدة لذكر اسمه فيها ممحضة لذلك، وقد قال تعالى: " ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا " الحج: 40.
قوله تعالى: " يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال " إلى آخر الآية. تسبيحه تعالى تنزيهه عن كل ما لا يليق بساحة قدسه، والغدو جمع غداة وهو الصبح والآصال جمع أصيل وهو العصر، والالهاء صرف الانسان عما يعنيه ويهمه، والتجارة على ما قاله الراغب: التصرف في رأس المال طلب للربح. قال: وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ. والبيع على ما قال: إعطاء المثمن وأخذ الثمن، وقلب الشئ على ما ذكره صرف الشئ من وجه إلى وجه، والتقليب مبالغة فيه والتقلب قبوله فتقلب القلوب والابصار تحول منها من وجه من الادراك إلى وجه آخر.
وقوله: " يسبح له فيها بالغدو والآصال " صفة لبيوت أو استئناف لبيان قوله:
" ويذكر فيها اسمه "، وكون التسبيح بالغدو والآصال كناية عن استمرار هم فيه لا أن التسبيح مقصور في الوقتين لا يسبح له في غيرهما.
والاكتفاء بالتسبيح من غير ذكر التحميد معه لأنه تعالى معلوم بجميع صفاته الكمالية لا سترة عليه إذ المفروض أنه نور والنور هو الظاهر بذاته المظهر لغيره وإنما يحتاج خلوص المعرفة إلى نفي النقائص عنه وتنزيهه عما لا يليق به فإذا تم التسبيح لم
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست