فقوله: " فمن يعمل من الصالحات " أي من يعمل منهم شيئا من الأعمال الصالحات وقد قيد عمل بعض الصالحات بالايمان إذ قال: " وهو مؤمن " فلا أثر للعمل الصالح بغير إيمان.
والمراد بالايمان - على ما يظهر من السياق وخاصة قوله في الآية الماضية: " وأنا ربكم فاعبدون " - الايمان بالله قطعا غير أن الايمان بالله لا يفارق الايمان بأنبيائه من دون استثناء لقوله: " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض - إلى قوله - أولئك هم الكافرون حقا النساء: 151.
وقوله: " فلا كفران لسعيه " أي لا ستر على ما عمله من الصالحات والكفران يقابل الشكر ولذا عبر عن هذا المعنى في موضع آخر بقوله: " وكان سعيكم مشكورا " الدهر: 22.
وقوله: " وإنا له كاتبون " أي مثبتون في صحائف الأعمال إثباتا لا ينسى معه فالمراد بقوله: " فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون " أن عمله الصالح لا ينسى ولا يكفر.
والآية من الآيات الدالة على أن قبول العمل الصالح مشروط بالايمان كما تؤيده آيات حبط الأعمال مع الكفر، وتدل أيضا على أن المؤمن العامل لبعض الصالحات من أهل النجاة.
قوله تعالى: " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " الذي يستبق من الآية إلى الذهن بمعونة من سياق التفصيل أن يكون المراد أن أهل القرية التي أهلكناها لا يرجعون ثانيا إلى الدنيا ليحصلوا على ما فقدوه من نعمة الحياة ويتداركوا ما فوتوه من الصالحات وهو واقع محل أحد طرفي التفصيل الذي تضمن طرفه الاخر قوله: " فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن " الخ. فيكون الطرف الآخر من طرفي التفصيل أن من لم يكن مؤمنا قد عمل من الصالحات فليس له عمل مكتوب وسعي مشكور وإنما هو خائب خاسر ضل سعيه في الدنيا ولا سبيل له إلى حياة ثانية في الدنيا يتدارك فيها ما فاته.
غير أنه تعالى وضع المجتمع موضع الفرد إذ قال: " وحرام على قرية أهلكناها