تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٢٢
وأما في الدنيا فإن الله وعد الصالحين منهم أن يورثهم الأرض ويجعل لهم عاقبة الدار والطالحون إلى هلاك ودمار وخسران وسعي وبوار.
قوله تعالى: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون " الأمة جماعة يجمعها مقصد واحد، والخطاب في الآية على ما يشهد به سياق الآيات - خطاب عام يشمل جميع الافراد المكلفين من الانسان، والمراد بالأمة النوع الانساني الذي هو نوع واحد، وتأنيث الإشارة في قوله " هذه أمتكم " لتأنيث الخبر.
والمعنى: أن هذا النوع الانساني أمتكم معشر البشر وهي أمة واحدة وانا - الله الواحد عز اسمه - ربكم إذ ملكتكم ودبرت أمركم فاعبدوني لا غير.
وفي قوله: " أمة واحدة " إشارة إلى حجة الخطاب بالعبادة لله سبحانه فإن النوع الانساني لما كان نوعا واحدا وأمة واحدة ذات مقصد واحد وهو سعادة الحياة الانسانية لم يكن له إلا رب واحد إذ الربوبية والألوهية ليست من المناصب التشريفية الوضعية حتى يختار الانسان منها لنفسه ما يشاء وكم يشاء وكيف يشاء بل هي مبدئية تكوينية لتدبير أمره، والانسان حقيقة نوعية واحدة، والنظام الجاري في تدبير أمره نظام واحد متصل مرتبط بعض أجزائه ببعض ونظام التدبير الواحد لا يقوم به إلا مدبر واحد فلا معنى لان يختلف الانسان في أمر الربوبية فيتخذ بعضهم ربا غير ما يتخذه الاخر أو يسلك قوم في عبادته غير ما يسلكه الآخرون فالانسان نوع واحد يجب أن يتخذ ربا واحدا هو رب بحقيقة الربوبية. وهو الله عز اسمه.
وقيل المراد بالأمة، الدين والإشارة بهذه إلى دين الاسلام الذي كان دين الأنبياء والمراد بكونه أمة واحدة اجتماع الأنبياء بل إجماعهم عليه، والمعنى أن ملة الاسلام ملتكم التي يجب أن تحافظوا على حدودها وهي ملة اتفقت الأنبياء عليهم السلام عليها.
وهو بعيد فإن استعمال الأمة في الدين لو جاز لكان تجوز الايصال إليه إلا بقرينة صارفة ولا وجه للانصراف عن المعنى الحقيقي بعد صحته واستقامته وتأيده بسائر كلامه تعالى كقوله: " وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا " يونس: 19 وهو - كما ترى - يتضمن إجمال ما يتضمنه هذه الآية والآية التي تليها.
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»
الفهرست