وبذلك يرجع ذيل السياق إلى صدره كأنه يقول: إن الامر خطير وقد غر هذا الطاغية وملأه وأمته عزهم وسلطانهم ونشب الشرك والوثنية بأعراقه في قلوبهم وأنساهم ذكر الله من أصله وقد امتلئت أعين بني إسرائيل بما يشاهدونه من عزه فرعون وشوكة ملاه واندهشت قلوبهم من سطوة آل فرعون وارتاعت نفوسهم من سلطتهم فنسوا الله ولا يذكرون إلا الطاغية، فهذا الامر أمر الرسالة والدعوة في نجاحه ومضيه في حاجة شديدة إلى تنزيهك بنفي الشريك كثيرا وإلى ذكرك بالربوبية والألوهية بينهم كثيرا ليتبصروا فيؤمنوا وهذا أمر لا أقوى عليه وحدي فاجعل هارون وزيرا لي وأيدني به وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا لعل السعي ينجع والدعوة تنفع.
وبهذا البيان يظهر وجه تعلق هذه الغاية أعني قوله: " كي نسبحك " الخ، بما تقدمه.
وثانيا: " وجه ورود قوله: " كثيرا " مرتين وأنه ليس من التكرار في شئ إذ كل من التسبيح والذكر يجب أن يكون في نفسه كثيرا، ولو قيل: كي نسبحك ونذكرك كثيرا أفاد كثرتهما مجتمعين وهو غير مراد.
وثالثا: وجه تقديم التسبيح على الذكر فإن المراد بالتسبيح تنزيهه تعالى عن الشريك بدفع ألوهية الالهة من دون الله وإبطال ربوبيتها لتقع الدعوة إلى الايمان بالله وحده، وهو المراد بالذكر، موقعها. فالتسبيح من قبيل دفع المانع المتقدم على تأثير المقتضي، وقد ذكر لهذه الخصوصيات وجوه أخر مذكورة في المطولات لا جدوى فيها ولا في نقلها.
وقوله: " إنك كنت بنا بصيرا " هو بظاهره تعليل كالحجة على قوله: " كي نسبحك كثيرا " الخ، أي إنك كنت بصيرا بي وبأخي منذ خلقتنا وعرفتنا نفسك وتعلم أنا لم نزل نعبدك بالتسبيح والذكر ساعيين مجدين في ذلك فإن جعلته وزيرا لي وأيدتني به وأشركته في أمري تم أمر الدعوة وسبحناك كثيرا وذكرناك كثيرا، والمراد بقوله " بنا " على هذا هو وأخوه. ويمكن أن يكون المراد بالضمير في " بنا " أهله، والمعنى: إنك كنت بصيرا بنا أهل البيت أنا أهل تسبيح وذكر فإن جعلت هارون