بل يحتاج إلى وزير يشاركه في ذلك فيقوم ببعض الامر فيخفف عنه فيما يقوم به هذا الوزير ويكون مؤيدا لموسى فيما يقوم به موسى وهذا معنى قوله - وهو بمنزلة التفسير لجعله وزيرا - " أشدد به أزرى وأشركه في أمري ".
فمعنى قوله: " وأشركه في أمري " سؤال الاشراك في أمر كان يخصه وهو تبليغ ما بلغه من ربه بادي مرة فهو الذي يخصه ولا يشاركه فيه أحد سواه ولا له أن يستنيب فيه غيره وأما تبليغ الدين أو شئ من أجزائه بعد بلوغه بتوسط النبي فليس مما يختص بالنبي بل هو وظيفة كل من آمن به ممن يعلم شيئا من الدين وعلى العالم أن يبلغ الجاهل وعلى الشاهد أن يبلغ الغائب ولا معنى لسؤال إشراك أخيه معه في أمر لا يخصه بل يعمه وأخاه وكل من آمن به من الارشاد والتعليم والبيان والتبليغ فتبين أن معنى إشراكه في أمره أن يقوم بتبليغ بعض ما يوحى إليه من ربه عنه وسائر ما يختص به من عند الله كافتراض الطاعة وحجية الكلمة.
وأما الاشراك في النبوة خاصة بمعنى تلقي الوحي من الله سبحانه فلم يكن موسى يخاف على نفسه التفرد في ذلك حتى يسأل الشريك وإنما كان يخاف التفرد في التبليغ وإدارة الأمور في إنجاء بني إسرائيل وما يلحق بذلك، وقد نقل ذلك عن موسى نفسه في قوله: " وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني " القصص: 34.
على أنه صح من طرق الفريقين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا بهذا الدعاء بألفاظه في حق علي عليه السلام ولم يكن نبيا.
وقوله: " كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا " ظاهر السياق وقد ذكر في الغاية تسبيحهما معا وذكرهما معا أن الجملة غاية لجعل هارون وزيرا له إذ لا تعلق لتسبيحهما معا وذكرهما معا بمضامين الأدعية السابقة وهي شرح صدره وتيسير أمره وحل عقدة من لسانه ويترتب على ذلك أن المراد بالتسبيح والذكر تنزيههما معا لله سبحانه وذكرهما له بين الناس علنا لا في حال خلوتهما أو في قلبيهما سرا إذ لا تعلق لذلك أيضا بجعله وزيرا بل المراد أن يسبحاه ويذكراه معا بين الناس في مجامعهم ونواديهم وأي مجلس منهم حلا فيه وحضرا فتكثر الدعوة إلى الايمان بالله ورفض الشركاء.