من الفظائع والفجائع وهو رجل قليل التحمل سريع الانقلاب في ذات الله ينكر الظلم ويأبى الضيم كما يشهد به قصة قتله القبطي واستقائه في ماء مدين وفي لسانه - وهو السلاح الوحيد لمن أراد الدعوة والتبليغ - عقدة ربما منعته بيان ما يريد بيانه.
فلذلك سأل ربه حل هذه المشكلات فسأل أولا أن يوسع صدره لما يحمله ربه من أعباء الرسالة ولما ستستقبله من العظائم والشدائد في مسيره في الدعوة فقال: " رب اشرح لي صدري.
ثم قال: " ويسر لي أمري " وهو الامر الذي قلده من الرسالة ولم يسأله تعالى أن يخفف في رسالته ويتنزل بعض التنزل عما أمره به أولا فيقنع بما هو دونه فتصير رسالة يسيرة في نفسها بعد ما كانت خطيرة وإنما سأل أن يجعلها على ما بها من العسر والخطر يسيرة بالنسبة إليه هينة عنده والدليل على ذلك قوله: " ويسر لي ".
ووجه الدلالة أن قوله: " لي " والمقام هذا المقام يفيد الاختصاص فيؤدي ما هو معنى قولنا: ويسر لي، وأنا الذي أوقفتني هذا الموقف وقلدتني ما قلدتني أمري الذي قلدتنيه ومن المعلوم أن مقتضى هذا السؤال تيسير الامر بالنسبة إليه لا تيسيره في نفسه، ونظير الكلام يجري في قوله: " اشرح لي فمعناه اشرح لي وأنا الذي أمرتني بالرسالة وقبالها شدائد ومكاره " صدري " حتى لا يضيق إذا ازدحمت علي ودهمتني، ولو قيل: رب اشرح صدري ويسر أمري فاتت هذه النكتة.
وقوله: " وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي سؤال له آخر يرجع إلى عقدة في لسانه والتنكير في " عقدة " للدلالة على النوعية فله وصف مقدر وهو الذي يلوح من قوله: " يفقهوا قولي " أي عقدة تمنع من فقه قولي.
وقوله: " واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي سؤال له آخر وهو رابع الأسئلة وآخرها، والوزير فعيل من الوزر بالكسر فالسكون بمعنى الحمل الثقيل سمي الوزير وزيرا لأنه يحمل ثقل حمل الملك، وقيل: من الوزر بفتحتين بمعنى الجبل الذي يلتجأ إليه سمي به لان الملك يلتجئ إليه في آرائه وأحكامه.
وبالجملة هو يسأل ربه أن يجعل له وزيرا من أهله ويبينه أنه هارون أخي وإنما يسأل ذلك لان الامر كثير الجوانب متباعدة الأطراف لا يسع موسى أن يقوم به وحده