فقوله: " وقتلت نفسا " هو قتله القبطي بمصر، وقوله: " فنجيناك من الغم " وهو ما كان يخافه أن يقتله الملا من آل فرعون فأخرجه الله إلى أرض مدين فلما أحضره شعيب وورد عليه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين.
وقوله: " وفتناك فتونا " أي ابتليناك واختبرناك ابتلاء واختبارا، قال الراغب في المفردات: أصل الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الانسان النار، قال: يوم هم على النار يفتنون " " ذوقوا فتنتكم " أي عذابكم، قال: وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فتنة فيستعمل فيه نحو قوله:
" ألا في الفتنة سقطوا " وتارة في الاختبار، نحو: " وفتناك فتونا وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما تستعملان فيما يدفع إليه الانسان من شدة ورخاء وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا وقد قال فيهما: " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " انتهى موضع الحاجة من كلامه.
وقوله: " فلبث سنين في أهل مدين " متفرع على الفتنة. وقوله: " ثم جئت على قدر يا موسى " لا يبعد أن يستفاد من السياق أن المراد بالقدر هو المقدر وهو ما حصله من العلم والعمل عن الابتلاءات الواردة عليه في نجاته من الغم بالخروج من مصر ولبثه في أهل مدين.
وعلى هذا فمجموع قوله: وقتلت نفسا فنجيناك - إلى قوله - يا موسى " من واحد وهو أنه ابتلي ابتلاء بعد ابتلاء حتى جاء على قدر وهو ما اكتسبه من فعلية الكمال.
وربما أجيب عن الاستشكال في عد الفتن من المن بأن الفتن ههنا بمعنى التخليص كتخليص الذهب بالنار، وربما أجيب بأن كونه منا باعتبار الثواب المترتب على ذلك، والوجهان مبنيان على فصل قوله: " فلبثت " إلى آخر الآية عما قبله ولذا قال بعضهم:
إن المراد بالفتنة هو ما قاساه موسى من الشدة بعد خروجه من مصر إلى أن استقر في مدين لمكان فاء التفريع في قوله: " فلبثت سنين في أهل مدين " الدال على تأخر اللبث عن الفتنة زمانا، وفيه أن الفاء إنما تدل على التفرع فحسب وليس من الواجب أن يكون تفرعا زمانيا دائما.
وقال بعضهم: إن القدر بمعنى التقدير والمراد ثم جئت إلى أرض مصر على ما