تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٥٣
قدرنا ثم اعترض على أخذ القدر بمعنى المقدار بأن المعروف من القدر بهذا المعنى هو ما كان بسكون الدال لا بفتحها وفيه أن القدر والقدر بسكون الدال وفتحها - كما صرحوا به كالنعل والنعل بمعنى واحد. على أن القدر بمعنى المقدار كما قدمناه - أكثر ملاءمة للسياق أو متعين. وذكر لمجيئه على مقدار بعض معان اخر وهي سخيفة لا جدوى فيها.
وختم ذكر المن بنداء موسى عليه السلام زيادة تشريف له.
قوله تعالى: " واصطنعتك لنفسي " الاصطناع افتعال من الصنع بمعنى الاحسان - على ما ذكروا - يقال: صنعه أي أحسن إليه واصطنعه أي حقق إحسانه إليه وثبته فيه، ونقل عن القفال أن معنى الاصطناع أنه يقال: اصطنع فلان فلانا إذا أحسن إليه حتى يضاف إليه فيقال: هذا صنيع فلان وخريجه. انتهى.
وعلى هذا يؤول معنى اصطناعه إياه إلى اخلاصه تعالى إياه لنفسه ويظهر موقع قوله: " لنفسي " أتم ظهور وأما على المعنى الأول فالأنسب بالنظر إلى السياق أن يكون الاصطناع مضمنا معنى الاخلاص، والمعنى على أي حال وجعلتك خالصا لنفسي فيما عندك من النعم فالجميع مني وإحساني ولا يشاركني فيك غيري فأنت لي مخلصا وينطبق ذلك على قوله: " واذكر في الكتاب موسى انه كان مخلصا " مريم: 51.
ومن هنا يظهر أن قول بعضهم: المراد بالاصطناع الاختيار، ومعنى اختياره لنفسه جعله حجة بينه وبين خلقه كلامه كلامه ودعوته دعوته وكذا قول بعضهم إن المراد بقوله: " لنفسي لوحيي ورسالتي، وقول آخرين: لمحبتي، كل ذلك من قبيل التقييد من غير مقيد.
ويظهر أيضا أن اصطناعه لنفسه منظوم في سلك المنن المذكورة بل هو أعظم النعم ومن الممكن أن يكون معطوفا على قوله: " جئت على قدر " عطف تفسير.
والاعتراض على هذا المعنى بأن توسيط النداء بينه وبين المنن المذكورة لا يلائم كونه منظوما في سلكها - على ما ذكر الفخر الرازي في تفسيره - فالأولى جعله تمهيدا لارساله إلى فرعون مع شركة من أخيه في أمره.
فيه أن توسيط النداء لا ينحصر وجهه فيما ذكر فلعل الوجه فيه تشريفه بمزيد
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست