مقام المناجاة والمسارة مع المحبوب يقتضي ذلك لان مكالمة المحبوب لذيذة ولذا ذكر أولا أنه عصاه ليرتب عليه منافعها العامة وهذه هي النكتة في ذكر أنها عصاه.
وقد قدمنا في ذيل الآية السابقة وجها آخر لهذا الاستفهام وجوابه وليس الكلام عليه من باب الاطناب وخاصه بالنظر إلى جمعه سائر منافعها في قوله: " ولي فيها مآرب أخرى ".
قوله تعالى: " قال ألقها يا موسى - إلى قوله: سيرتها الأولى " السيرة الحالة والطريقة وهي في الأصل بناء نوع من السير كجلسة لنوع من الجلوس.
أمر سبحانه موسى أن يلقى عصاه عن يمينه وهو قوله: " قال ألقها يا موسى " فلما ألقى العصا صارت حية تتحرك بجد وجلادة وذلك أمر غير مترقب من جماد لا حياة له وهو قوله: " فألقاها فإذا هي حية تسعى " وقد عبر تعالى عن سعيها في موضع آخر من كلامه بقوله رآها تهتز كأنها جان " القصص: 31، وعبر عن الحية أيضا في موضع آخر بقوله: فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين " الأعراف:
107، الشعراء: 32 والثعبان: الحية العظيمة.
وقوله: " قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها " أي حالتها " الأولى " وهي أنها عصا فيه دلالة على خوفه عليه السلام مما شاهده من حية ساعية وقد قصه تعالى في موضع آخر إذ قال: " فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف " القصص: 31، والخوف وهو الاخذ بمقدمات التحرز عن الشر غير الخشية التي هي تأثر القلب واضطرابه فإن الخشية رذيلة تنافى فضيلة الشجاعة بخلاف الخوف والأنبياء عليهم السلام يجوز عليهم الخوف دون الخشية كما قال الله تعالى: " الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله " الأحزاب: 39.
قوله تعالى: " واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى " الضم الجمع، والجناح جناح الطائر واليد والعضد والإبط ولعل المراد به المعنى الأخير ليؤول إلى قوله في موضع آخر: ادخل يدك في جيبك والسوء كل رداءه وقبح قيل: كني به في الآية عن البرص والمعنى أجمع يدك تحت أبطك أي أدخلها في جيبك تخرج بيضاء من غير برص أو حالة سيئة أخرى.