ويؤيده أيضا انه تعالى عبر عن هذا المبعوث بالرسول دون النبي فلم يقل حتى نبعث نبيا، وقد تقدم في مباحث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب في الفرق بين النبوة والرسالة ان الرسالة منصب خاص الهى يستعقب الحكم الفصل في الأمة اما بعذاب الاستئصال واما بالتمتع من الحياة إلى اجل مسمى، قال تعالى: (ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) يونس: 47 وقال:
(قالت رسلهم ا في الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى اجل مسمى) إبراهيم: 10.
فالتعبير بالرسول لإفادة ان المراد نفى التعذيب الدنيوي دون التعذيب الأخروي أو مطلق التعذيب.
فقوله: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) كالدفع لما يمكن ان يتوهم من سابق الآيات المنبئة عن لحوق اثر الأعمال بصاحبها وبشارة الصالحين بالاجر الكبير والطالحين بالعذاب الأليم فيوهم ان تبعات السيئات أعم من العذاب الدنيوي والأخروي سيترتب عليها فيغشى صاحبها من غير قيد وشرط.
فأجيب ان الله سبحانه برحمته الواسعة وعنايته الكاملة لا يعذب الناس بعذاب الاستئصال وهو عذاب الدنيا الا بعد أن يبعث رسولا ينذرهم به وان كان له ان يعذبهم به لكنه برحمته ورأفته يبالغ في الموعظة ويتم الحجة بعد الحجة ثم ينزل العقوبة فقوله: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) نفى لوقوع العذاب لا لجوازه.
فالآية - كما ترى - ليست مسوقة لامضاء حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بل هي تكشف عن اقتضاء العناية الإلهية ان لا يعذب قوما بعذاب الاستئصال الا بعد أن يبعث إليهم رسولا فيؤكد لهم الحجة ويقرعهم بالبيان بعد البيان.
واما النبوة التي يبلغ بها التكاليف ونبين بها الشرائع فهى التي تستقر بها المؤاخذة الإلهية والمغفرة، ويثبت بها الثواب والعقاب الأخرويان فيما لا يتبين فيه الحق والباطل الا من طريق النبوة كالتكاليف الفرعية، واما الأصول التي يستقل العقل بادراكها كالتوحيد والنبوة والمعاد فإنما تلحق آثار قبولها وتبعات ردها الانسان بالثبوت العقلي من غير توقف على نبوة أو رسالة