ولا يستعجل ارتكابه بل يتوقف في الأمور ويتروى حتى يميز بينها ويفرق خيرها من شرها فيأخذ بالخير ويتحرز الشر.
قوله تعالى: (من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال في المفردات: الوزر الثقل تشبيها بوزر الجبل، ويعبر بذلك عن الاثم كما يعبر عنه بالثقل قال تعالى: (ليحملوا اوزارهم كاملة) الآية كقوله:
(وليحملن اثقالهم وأثقالا مع اثقالهم) قال: وقوله: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) أي لا تحمل وزره من حيث يتعرى المحمول عنه. انتهى.
والآية في موضع النتيجة لقوله: (وكل انسان ألزمناه طائره) الخ والجملة الثالثة (ولا تزر وازرة وزر أخرى) تأكيد للجملة الثانية (ومن ضل فإنما يضل عليها).
والمعنى إذا كان العمل خيرا كان أو شرا يلزم صاحبه ولا يفارقه وهو محفوظ على صاحبه سيشاهده عند الحساب فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه وينتفع به نفسه من غير أن يتبع غيره. ومن ضل عن السبيل فإنما يضل على نفسه ويتضرر به نفسه من دون ان يفارقه فيلحق غيره، ولا تتحمل نفس حامله حمل نفس أخرى لا كما ربما يخيل لاتباع الضلال انهم ان ضلوا فوبال ضلالهم على أئمتهم الذين أضلوهم وكما يتوهم المقلدون لابائهم واسلافهم ان آثامهم وأوزارهم لابائهم واسلافهم لا لهم.
نعم لائمة الضلال مثل أوزار متبعيهم، ولمن سن سنة سيئة أوزار من عمل بها ولمن قال: اتبعونا لنحمل خطاياكم آثام خطاياهم لكن ذلك كله وزر الإمامة وجعل السنة وتحمل الخطايا لا عين ما للعامل من الوزر بحيث يفارق العمل عامله ويلحق المتبوع بل إن كان عينه فمعناه ان يعذب بعمل واحد اثنان.
قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ظاهر السياق الجاري في الآية وما يتلوها من الآيات بل هي والآيات السابقة ان يكون المراد بالتعذيب التعذيب الدنيوي بعقوبة الاستئصال، ويؤيده خصوص سياق النفي (وما كنا معذبين) حيث لم يقل: ولسنا معذبين ولا نعذب ولن نعذب بل قال: (وما كنا معذبين) الدال على استمرار النفي في الماضي الظاهر في أنه كانت السنة الإلهية في الأمم الخالية الهالكة جارية على أن لا يعذبهم الا بعد أن يبعث إليهم رسولا ينذرهم بعذاب الله.