وتعاضدها على وقوعه، وهو قريب من المعنى الأول وحقيقته تحقق ما لهلاكهم من الأسباب وهو كفران النعمة والطغيان بالمعصية كما قال سبحانه: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد) إبراهيم: 7، وقال: (الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب ان ربك لبالمرصاد) الفجر: 14.
وقوله: (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) من المعلوم من كلامه تعالى انه لا يأمر بالمعصية أمرا تشريعيا فهو القائل: (قل ان الله لا يأمر بالفحشاء) الأعراف: 28 واما الامر التكويني فعدم تعلقه بالمعصية من حيث إنها معصية أوضح لجعله الفعل ضروريا يبطل معه تعلقه باختيار الانسان ولا معصية مع عدم الاختيار قال تعالى:
(انما امره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون) يس: 82.
فمتعلق الامر في قوله: (أمرنا) ان كان هو الطاعة كان الامر بحقيقة معناه وهو الامر التشريعي وكان هو الامر الذي توجه إليهم بلسان الرسول الذي يبلغهم أمر ربهم وينذرهم بعذابه لو خالفوا وهو الشأن الذي يختص بالرسول كما تقدمت الإشارة إليه فإذا خالفوا وفسقوا عن أمر ربهم حق عليهم القول وهو انهم معذبون ان خالفوا فاهلكوا ودمروا تدميرا.
وان كان متعلق الامر هو الفسق والمعصية كان الامر مرادا به الاكثار من إفاضة النعم عليهم وتوفيرها على سبيل الاملاء والاستدراج وتقريبهم بذلك من الفسق حتى يفسقوا فيحق عليهم القول وينزل عليهم العذاب.
وهذان وجهان في معنى قوله: (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) يجوز توجيهه بكل منهما لكن يبعد أول الوجهين اولا ان قولنا: امرته ففعل وأمرته ففسق ظاهره تعلق الامر بعين ما فرع عليه، وثانيا عدم ظهور وجه لتعلق الامر بالمترفين مع كون الفسق لجميع أهل القرية والا لم يهلكوا.
قال في الكشاف: والامر مجاز لان حقيقة أمرهم بالفسق ان يقول لهم: افسقوا، وهذا لا يكون فبقى ان يكون مجازا، ووجه المجاز انه صب عليهم النعمة صبا