مترفيها بالطاعة ففسقوا عن أمرنا وعصوه، أو يكون الامر في الآية مستعملا استعمال اللازم، والمعنى توجه أمرنا إلى مترفيها ففسقوا فيها عنه.
فالحق ان الوجهين لا باس بكل منهما وان كان الثاني لا يخلو من ظهور، وقد أجيب عن اختصاص الامر بالمترفين بأنهم الرؤساء السادة والأئمة المتبوعون وغيرهم اتباعهم وحكم التابع تابع لحكم المتبوع ولا يخلو من سقم.
وذكر بعضهم في توجيه الآية ان قوله: (أمرنا مترفيها) الخ صفة لقرية وليس جوابا لاذا وجواب إذا محذوف على حد قوله: حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها إلى آخر الآية للاستغناء عنه بدلالة الكلام.
وذكر آخرون ان في الآية تقديما وتأخيرا والتقدير وإذا أمرنا مترفى قرية ففسقوا فيها أردنا ان نهلكها، وذلك أنه لا معنى لإرادة الهلاك قبل تحقق سببه وهو الفسق، وهو وجه سخيف كسابقه.
هذا كله على القراءة المعروفة (أمرنا) بفتح الهمزة ثم الميم مخففة من الامر بمعنى الطلب، وربما اخذ من الامر بمعنى الاكثار أي أكثرنا مترفيها مالا وولدا ففسقوا فيها.
وقرئ (آمرنا) بالمد ونسب إلى علي عليه السلام والى عاصم وابن كثير ونافع وغيرهم وهو من الايمان بمعنى اكثار المال والنسل أو بمعنى تكليف انشاء فعل، وقرئ أيضا (أمرنا) بتشديد الميم من التأمير بمعنى تولية الامارة ونسب ذلك إلى على والحسن والباقر عليه السلام وإلى ابن عباس وزيد بن علي وغيرهم.
قوله تعالى: (وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) قال في المفردات: القرن القوم المقترنون في زمن واحد وجمعه قرون قال: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم) (وكم أهلكنا من القرون) انتهى ومعنى الآية ظاهر، وفيها تثبيت ما ذكر في الآية السابقة من سنة الله الجارية في اهلاك القرى بالإشارة إلى القرون الماضية الهالكة.
والآية لا تخلو من اشعار بان سنة الا هلاك انما شرعت في القرون الانسانية بعد نوح