ادراك الانسان محجوب وراء حجاب الغفلة وانما يخرجه الله سبحانه للانسان يوم القيامة فيطلعه على تفاصيله، وهو المعنى بقوله: (يلقاه منشورا).
وفي ذلك دلالة على أن ذلك أمر مهيا له غير مغفول عنه فيكون تأكيدا لقوله:
(وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) لان المحصل ان الانسان ستناله تبعة عمله لا محالة اما اولا فلانه لازم له لا يفارقه. واما ثانيا فلانه مكتوب كتابا سيظهر له فيلقاه منشورا.
قوله تعالى: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) أي يقال له: اقرا كتابك (الخ).
وقوله: (كفى بنفسك) الباء فيه زائدة للتأكيد واصله كفت نفسك وانما لم يؤنث الفعل لان الفاعل مؤنث مجازى يجوز معه التذكير والتأنيث، وربما قيل: انه اسم فعل بمعنى اكتف والباء غير زائدة، وربما وجه بغير ذلك.
وفي الآية دلالة على أن حجة للكتاب قاطعة بحيث لا يرتاب فيها قارئه ولو كان هو المجرم نفسه وكيف لا؟ وفيه معاينة نفس العمل وبه الجزاء، قال تعالى: (لا تعتذروا اليوم انما تجزون ما كنتم تعملون) التحريم: 7 وقد اتضح مما أوردناه في وجه اتصال قوله: (ويدع الانسان بالشر) الآية بما قبله وجه اتصال هاتين الآيتين أعني قوله: (وكل انسان ألزمناه طائره - إلى قوله - حسيبا) فمحصل معنى الآيات والسياق سياق التوبيخ واللوم ان الله سبحانه انزل القرآن وجعله هاديا إلى ملة هي أقوم جريا على السنة الإلهية في هداية الناس إلى التوحيد والعبودية واسعاد من اهتدى منهم واشقاء من ضل لكن الانسان لا يميز الخير من الشر ولا يفرق بين النافع والضار بل يستعجل كل ما يهواه فيطلب الشر كما يطلب الخير.
والحال ان العمل سواء كان خيرا أو شرا لازم لصاحبه لا يفارقه وهو أيضا محفوظ عليه في كتاب سيخرج له يوم القيامة وينشر بين يديه ويحاسب عليه، وإذا كان كذلك كان من الواجب على الانسان ان لا يبادر إلى اقتحام كل ما يهواه ويشتهيه