فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب ايلاء النعمة فيه، وانما خولهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير ويتمكنوا من الاحسان والبر كما خلقهم أصحاء أقوياء وأقدرهم على الخير والشر وطلب منهم ايثار الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليهم القول وهو كلمة العذاب فدمرهم.
فان قلت: هلا زعمت أن معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا؟ قلت لان حذف ما لا دليل عليه غير جائز فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه؟ وذلك أن المأمور به انما حذف لان فسقوا يدل عليه وهو كلام مستفيض يقال: امرته فقام وأمرته فقرا لا يفهم منه الا ان المأمور به قيام أو قراءة ولو ذهبت تقدر غيره لزمت من مخاطبك علم الغيب.
ولا يلزم على هذا قولهم: امرته فعصاني أو فلم يمتثل امرى لان ذلك مناف للامر مناقض له، ولا يكون ما يناقض الامر مأمورا به فكان محالا ان يقصد أصلا حتى يجعل دالا على المأمور به فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوى لان من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوى لامره مأمورا به كأنه يقول: كان منى أمر فلم يكن منه طاعة كما أن من يقول: فلان يعطى ويمنع ويأمر وينهى غير قاصد إلى مفعول.
فان قلت: هلا كان ثبوت العلم بان الله لا يأمر بالفحشاء وانما يأمر بالقصد والخير دليلا على أن المراد أمرناهم بالخير ففسقوا؟
قلت: لا يصح ذلك لان قوله: ففسقوا يدافعه فكأنك أظهرت شيئا وأنت تدعى اضمار خلافه فكان صرف اللفظ إلى المجاز هو الوجه. انتهى.
وهو كلام حسن في تقريب ظهور قوله: (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) في كون المأمور به هو الفسق واما كونه صريحا فيه بحيث لا يحتمل الا ذلك كما يدعيه فلا، فلم لا يجوز ان تكون الآية من قبيل قولنا: امرته فعصاني حيث تكون المعصية وهى منافية للامر قرينة على كون المأمور به هو الطاعة والفسق والمعصية واحد فان الفسق هو الخروج عن زي العبودية والطاعة فهو المعصية ويكون المعنى حينئذ: أمرنا