فأجيب عنه بعد ما اورد في سياق التوبيخ واللوم بان مجرد تعلق القدرة وصحة الفعل لا يستلزم جواز العمل ولا ان اقداره على الخير والشر معا يدل على جواز اقتحام الشر كالخير فالليل والنهار آيتان من آيات الله يعيش فيهما الانسان لكن الله سبحانه محى آية الليل وقدر فيها السكون والخمود، وجعل آية النهار مبصرة مدركة يطلب فيها الرزق ويعلم بها عدد السنين والحساب.
فكما ان كون الليل والنهار مشتركين في الآئية لا يوجب اشتراكهما في الحركات والتقلبات بل هي للنهار خاصة كذلك اشتراك اعمال الخير والشر في أنها جميعا تتحقق بإذن الله سبحانه وهى مما أقدر الله الانسان عليه سواء لا يستلزم جواز ارتكابه لهما واتيانه بهما على حد سواء بل جواز الاتيان والارتكاب من خواص عمل الخير دون عمل الشر فليس للانسان ان يسلك كل ما بدا له من سبيل ولا ان يأتي بكل ما اشتهاه وتعلق به هواه معتمدا في ذلك على ما اعطى من الحرية الطبيعية والاقدار الإلهي.
ومما تقدم يظهر فساد ما ذكره بعضهم ان الآية مسوقة للاحتجاج على التوحيد فان الليل والنهار وما يعرضهما من الاختلاف وما يترتب على ذلك من البركات من أوضح آيات التوحيد.
وفيه ان دلالتهما على التوحيد لا توجب ان يكون الغرض إفادته والاحتجاج بهما على ذلك في أي سياق وقعا.
وقوله في ذيل الآية: (وكل شئ فصلناه تفصيلا) إشارة إلى تمييز الأشياء وان الخلقة لا تتضمن إبهامها ولا اجمالها.
قوله تعالى: (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) قال في المجمع: الطائر هنا عمل الانسان شبه بالطائر الذي يسنح ويتبرك به والطائر الذي يبرح فيتشأم به، والسانح الذي يجعل ميامنه إلى مياسرك، والبارح الذي يجعل مياسره إلى ميامنك، والأصل في هذا انه إذا كان سانحا أمكن الرامي وإذا كان بارحا لم يمكنه قال أبو زيد:
كل ما يجرى من طائر أو ظبى أو غيره فهو عندهم طائر. انتهى.
وفي الكشاف: انهم كانوا يتفألون بالطير ويسمونه زجرا فإذا سافروا ومر بهم طير زجروه فان مر بهم سانحا بان مر من جهة اليسار إلى اليمين تيمنوا وان مر بارحا بان