وبالجملة أصول الدين وهى التي يستقل العقل ببيانها ويتفرع عليها قبول الفروع التي تتضمنها الدعوة النبوية، تستقر المؤاخذة الإلهية على ردها بمجرد قيام الحجة القاطعة العقلية من غير توقف على بيان النبي والرسول لان صحة بيان النبي والرسول متوقفة عليها فلو توقف هي عليها لدارت.
وتستقر المؤاخذة الأخروية على الفروع بالبيان النبوي ولا تتم الحجة فيها بمجرد حكم العقل، وقد فصلنا القول فيه في مباحث النبوة في الجزء الثاني وفي قصص نوح في الجزء العاشر من الكتاب، وفي غيرهما. والمؤاخذة الدنيوية بعذاب الاستئصال يتوقف على بعث الرسول بعناية من الله سبحانه لا لحكم عقلي يحيل هذا النوع من المؤاخذة قبل بعث الرسول كما عرفت.
وللمفسرين في الآية مشاجرات طويلة تركنا التعرض لها لخروج أكثرها عن غرض البحث التفسيري، ولعل الذي أوردناه من البحث لا يوافق ما اوردوه لكن الحق أحق بالاتباع.
قوله تعالى: (وإذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) قال الراغب: الترفة التوسع في النعمة يقال: اترف فلان فهو مترف - إلى أن قال في قوله: أمرنا مترفيها - هم الموصوفون بقوله سبحانه:
(فاما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه) انتهى. وقال في المجمع: الترفة النعمة، قال ابن عرفة: المترف المتروك يصنع ما يشاء ولا يمنع منه، وقال: التدمير الاهلاك والدمار الهلاك. انتهى.
وقوله: (إذا أردنا ان نهلك قرية) أي إذا دنا وقت هلاكهم من قبيل قولهم:
إذا أراد العليل ان يموت كان كذا، وإذا أرادت السماء ان يمطر كان كذا، أي إذا دنا وقت موته وإذا دنا وقت امطارها فان من المعلوم انه لا يريد الموت بحقيقة معنى الإرادة وانها لا تريد الأمطار كذلك، وفي القرآن: (فوجدا جدارا يريد ان ينقض) الآية.
ويمكن ان يراد به الإرادة الفعلية وحقيقتها توافق الأسباب المقتضية للشئ