ولازم ذلك أن يكون مع كل انسان من عمله ما يعين له حاله في عاقبة امره معية لازمة لا يتركه وتعيينا قطعيا لا يخطئ ولا يغلط لما قضى به ان كل عمل فهو لصاحبه ليس له الا هو وان مصير الطاعة إلى الجنة ومصير المعصية إلى النار.
وبما تقدم يظهر ان الآية انما تثبت لزوم السعادة والشقاء للانسان من جهة أعماله الحسنة والسيئة المكتسبة من طريق الاختيار من دون ان يبطل تأثير العمل في السعادة والشقاء باثبات قضاء أزلي يحتم للانسان سعادة أو شقاء سواء عمل أم لم يعمل وسواء أطاع أم عصى كما توهمه بعضهم.
قوله تعالى: (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) يوضح حال هذا الكتاب قوله بعده: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) حيث يدل اولا على أن الكتاب الذي يخرج له هو كتابه نفسه لا يتعلق بغيره، وثانيا ان الكتاب متضمن لحقائق أعماله التي عملها في الدنيا من غير أن يفقد منها شيئا كما في قوله: (يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها) الكهف: 49، وثالثا ان الأعمال التي أحصاها بادية فيها بحقائقها من سعادة أو شقاء ظاهرة بنتائجها من خير أو شر ظهورا لا يستتر بستر ولا يقطع بعذر، قال تعالى: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) ق: 22.
ويظهر من قوله تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء) آل عمران: 30 ان الكتاب يتضمن نفس الأعمال بحقائقها دون الرسوم المخطوطة على حد الكتب المعمولة فيما بيننا في الدنيا فهو نفس الأعمال يطلع الله الانسان عليها عيانا، ولا حجه كالعيان.
وبذلك يظهر ان المراد بالطائر والكتاب في الآية أمر واحد وهو العمل الذي يعمله الانسان غير أنه سبحانه قال: (ونخرج له يوم القيامة كتابا) ففرق الكتاب عن الطائر ولم يقل: (ونخرجه) لئلا يوهم ان العمل انما يصير كتابا يوم القيامة وهو قبل ذلك طائر وليس بكتاب أو يوهم ان الطائر خفى مستور غير خارج قبل يوم القيامة فلا يلائم كونه ملزما له في عنقه.
وبالجملة في قوله: (ونخرج) له إشارة إلى أن كتاب الأعمال بحقائقها مستور عن