الباعثان فيه متساويين.
قال: واما القسم الرابع عند القائلين بان صدور الفعل من القادر يتوقف على حصول الداعي فهو ممتنع الحصول والذين قالوا: انه لا يتوقف، قالوا ذلك الفعل لا اثر له في الباطن وهو محرم في الظاهر. انتهى وقد سبقه إلى هذا التقسيم والبحث غيره.
وأنت خبير بان الآيات الكريمة ليست في مقام بيان حكم الرد والقبول بالنسبة إلى كل عمل عمل صدر عن عامل بل هي تأخذ غاية الانسان وتعينها بحسب نشاة حياته مرة متعلقة بالحياة العاجلة و لازمه ان لا يريد باعماله الا مزايا الحياة الدنيوية المادية ويعرض عن الأخرى، و مرة متعلقة بالحياة الآخرة ولازمه ان يرى لنفسه حياة خالدة دائمة، بعضها وهى الحياة الدنيا مقدمة للبعض الاخر وهى الحياة بعد الموت واعماله في الدنيا مقصودة بها سعادة الأخرى.
ومعلوم ان هذا التقسيم لا ينتج الا قسمين نعم أحد القسمين ينقسم إلى اقسام لم يستوف احكامها في الآيات لعدم تعلق الغرض بها و ذلك أن من أراد الآخرة ربما سعى لها سعيها وربما لم يسع لها سعيها كالفساق و أهل البدع، وعلى كلا الوجهين ربما كان مؤمنا وربما لم يكن مؤمنا، ولم يذكر في كلامه تعالى الا حكم طائفة خاصة وهى من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن لان الغرض تمييز ملاك السعادة من ملاك الشقاء لا بيان تفصيل الأحوال.
قوله تعالى: (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض والآخرة أكبر درجات أكبر تفضيلا) إشارة الا تفاوت الدرجات بتفاوت المساعى حتى لا يتوهم ان قليل العمل وكثيره على حد سواء ويسير السعي والسعي البالغ لا فرق بينهما فان تسوية القليل والكثير والجيد والردى في الشكر والقبول رد في الحقيقة لما يزيد به الأفضل على غيره.
وقوله: (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض) أي بعض الناس على بعض في الدنيا، والقرينة على هذا التقييد قوله بعد: (والآخرة أكبر) والتفضيل في الدنيا هو ما يزيد به بعض أهلها على بعض من اعراضها وأمتعتها كالمال والجاه والولد والقوة