والآجال، وظاهر السياق ان علم السنين والحساب متفرع على جعل النهار مبصرا نظير تفرع ما تقدمه من ابتغاء الرزق على ذلك وذلك انا انما نتنبه للاعدام والفقدانات من ناحية الوجودات لا بالعكس والظلمة فقدان النور ولولا النور لم ننتقل لا إلى نور ولا إلى ظلمة، ونحن وان كنا نستمد في الحساب بالليل والنهار معا ونميز كلا منهما بالآخر ظاهرا لكن ما هو الوجودي منهما أعني النهار هو الذي يتعلق به احساسنا اولا ثم نتنبه لما هو العدمي منها أعني الليل بنوع من القياس، وكذلك الحال في كل وجودي وعدمي مقيس إليه.
وذكر الرازي في تفسيره ان الأولى ان يكون المراد بمحو آية الليل على القول بأنها القمر هو ما يعرض القمر من اختلاف النور من المحاق إلى المحاق بالزيادة والنقيصة ليلة فليلة لما فيه من الآثار العظيمة في البحار والصحارى وأمزجة الناس.
ولازم ذلك - كما أشار إليه - ان يكون قوله: (لتبتغوا فضلا من ربكم) وقوله:
(ولتعلموا عدد السنين والحساب) متفرعين على محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة جميعا، والمعنى انا جعلنا ذلك كذلك لتبتغوا بإضاءة الشمس واختلاف نور القمر أرزاقكم، ولتعلموا بذلك أيضا السنين والحساب فان الشمس هي التي تميز النهار من الليل والقمر باختلاف تشكلاته يرسم الشهور القمرية والشهور ترسم السنين فاللام في الجملتين أعني (لتبتغوا) (ولتعلموا) متعلق بالفعلين (محونا) و (وجعلنا) جميعا.
وفيه ان الآية في سياق لا يلائمه جعل ما ذكر فيها من الغرض غرضا مترتبا على الآيتين معا أعني الآية الممحوة والآية المثبتة فقد عرفت ان الآيات في سياق التوبيخ واللوم، والآية أعني قوله: (وجعلنا الليل والنهار آيتين) كالجواب عما قدر ان الانسان يحتج به في دعائه بالشر كدعائه بالخير.
وملخصه: ان الانسان لمكان عجلته لا يعتنى بما أنزله الله من كتاب وهداه إليه من الملة التي هي أقوم بل يقتحم الشر ويطلبه كما يطلب الخير من غير أن يتروى في عمله ويتأمل وجه الصلاح والفساد فيه بل يقتحمه بمجرد ما تعلق به هواه ويسرته قدرته، وهو يعتمد في ذلك على حريته الطبيعية في العمل كأنه يحتج فيه بان الله اقدره على ذلك ولم يمنع عنه كما نقله الله من قول المشركين، (لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آبائنا) النحل: 35.