الليل والنهار هما النور والظلمة المتعاقبان على الأرض من جهة مواجهة الشمس بالطلوع وزوالها بالغروب وهما كسائر ما في الكون من أعيان الأشياء وأحوالها آيتان لله سبحانه تدلان بذاتهما على توحده بالربوبية.
ومن هنا يظهر ان المراد بجعلهما آيتين هو خلقهما كذلك لا خلقهما وليستا آيتين ثم جعلهما آيتين والباسهما لباس الدلالة فالاشياء كلها آيات له تعالى من جهة أصل وجودها وكينونتها الدالة على مكونها لا لوصف طار يطرء عليها.
ومن هنا يظهر أيضا ان المراد بآية الليل كاية النهار نفس الليل كنفس النهار - على أن تكون الإضافة بيانية لا لامية - والمراد بمحو الليل اظلامه واخفاؤه عن الابصار على خلاف النهار.
فما ذكره بعضهم ان المراد بآية الليل القمر ومحوها ما يرى في وجهه من الكلف كما أن المراد بآية النهار الشمس وجعلها مبصرة خلو قرصها عن المحو والسواد. ليس بسديد فان الكلام في الآيتين لا آيتي الآيتين. على أن ما فرع على ذلك من قوله:
(لتبتغوا فضلا من ربكم) الخ متفرع على ضوء النهار وظلمة الليل لا على ما يرى من الكلف في وجه القمر وخلو قرص الشمس من ذلك.
ونظيره في السقوط قول بعضهم: ان المراد بآية الليل ظلمته وباية النهار ضوءه والمراد بمحو آية الليل امحاء ظلمته بضوء النهار ونظيره امحاء ضوء النهار بظلمة الليل وانما اكتفى بذكر أحدهما لدلالته على الاخر.
ولا يخفى عليك وجه سقوطه بتذكر ما أشرنا إليه سابقا فان الغرض بيان وجود الفرق بين الآيتين مع كونهما مشتركتين في الآئية والدلالة، وما ذكره من المعنى يبطل الفرق.
وقوله: (لتبتغوا فضلا من ربكم) متفرع على قوله: (وجعلنا آية النهار مبصرة) أي جعلناها مضيئة لتطلبوا فيه رزقا من ربكم فان الرزق فضله وعطاؤه تعالى.
وذكر بعضهم ان التقدير: لتسكنوا بالليل ولتبتغوا فضلا من ربكم بالنهار الا انه حذف (لتسكنوا بالليل) لما ذكره في مواضع اخر وفيه ان التقدير ينافي كون الكلام مسوقا لبيان ترتب الآثار على إحدى الآيتين دون الأخرى مع كونهما معا آيتين.
وقوله: (ولتعلموا عدد السنين والحساب) أي لتعلموا بمحو الليل وابصار النهار عدد السنين بجعل عدد من الأيام واحدا يعقد عليه، وتعلموا بذلك حساب الأوقات