المربوطة بها كل ذلك أمور تكوينية لا صنع للانسان فيها ولو فقد كلها أو بعضها لم يكن العمل، والله سبحانه هو الذي يفيضها بفضله ويمد الانسان بها بعطائه، ولو انقطع منه العطاء انقطع من العامل عمله.
فأهل الدنيا في دنياهم وأهل الآخرة في آخرتهم يستمدون من عطائه تعالى ولا يعود إليه سبحانه في عطائه الا الحمد لان الذي يعطيه نعمة على الانسان ان يستعمله استعمالا حسنا في موضع يرتضيه ربه، وأما إذا فسق بعدم استعماله فيه وحرف الكلمة عن موضعها فلا يلومن الا نفسه وعلى الله الثناء على جميل صنعه وله الحجة البالغة.
فقوله: (كلا نمد) أي كلا من الفريقين المعجل لهم والمشكور سعيهم نمد، وانما قدم المفعول على فعله لتعلق العناية به في الكلام فان المقصود بيان عموم الامداد للفريقين جميعا.
وقوله: (هؤلاء وهؤلاء) أي هؤلاء المعجل لهم وهؤلاء المشكور سعيهم بما ان لكل منهما نعته الخاص به، ويؤل المعنى إلى أن كلا من الفريقين تحت التربية الإلهية يفيض عليهم من عطائه من غير فرق غير أن أحدهما يستعمل النعمة الإلهية لابتغاء الآخرة فيشكر الله سعيه، والاخر يستعملها لابتغاء العاجلة وينسى الآخرة فلا يبقى له فيها الا الشقاء والخيبة.
وقوله: (من عطاء ربك) فان جميع ما يستفيدون منه في أعمالهم كما تقدم لا صنع لهم ولا لغيرهم من المخلوقين فيه بل الله سبحانه هو الموجد لها ومالكها فهى من عطائه.
ويستفاد من هذا القيد وجه ما ذكر لكل من الفريقين من الجزاء فان أعمالهم لما كانت بامداده تعالى من خالص عطائه فحقيق على من يستعمل نعمته في الكفر والفسوق ان يصلى النار مذموما مدحورا، وعلى من يستعملها في الايمان به وطاعته ان يشكر سعيه.
وفي قوله: (ربك) التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة وقد كرر ذلك مرتين والظاهر أن النكتة فيه الإشارة إلى أن امدادهم من شؤون صفة الربوبية والله سبحانه هو الرب لا رب غيره غير أن الوثنيين يتخذون من دونه أربابا ولذلك نسب ربوبيته إلى نبيه فقال: (ربك).