من المعارف، ولذلك عد سبحانه نسيان يوم الحساب أصلا لكل ضلال في قوله: (ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) ص: 26.
قوله تعالى: (ويدع الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا) المراد بالدعاء على ما يستفاد من السياق مطلق الطلب سواء كان بلفظ الدعاء كقوله: اللهم ارزقني مالا وولدا وغير ذلك أو من غير دعاء لفظي بل بطلب وسعى فان ذلك كله دعاء وسؤال من الله سواء اعتقد به الانسان وتنبه له أم لا إذ لا معطى ولا مانع في الحقيقة الا الله سبحانه، قال تعالى: (يسأله من في السماوات والأرض) الرحمن: 29 وقال: (وآتاكم من كل ما سألتموه) إبراهيم: 34 فالدعاء مطلق الطلب والباء في قوله: (بالشر) و (بالخير) للصلة والمراد ان الانسان يدعو الشر ويساله دعاء كدعائه الخير وسؤاله وطلبه.
وعلى هذا فالمراد بكون الانسان عجولا انه لا يأخذ بالأناة إذا أراد شيئا حتى يتروى ويتفكر في جهات صلاحه وفساده حتى يتبين له وجه الخير فيما يريده من الامر فيطلبه ويسعى إليه بل يستعجل في طلبه بمجرد ما ذكره وتعلق به هواه فربما كان شرا فتضرر به وربما كان خيرا فانتفع به.
والآية وما يتلوها من الآيات في سياق التوبيخ واللوم متفرعة على ما تقدم من حديث المن الإلهي بالهداية إلى التي هي أقوم كأنه قيل: انا أنزلنا كتابا يهدى إلى ملة هي أقوم تسوق الآخذين بها إلى السعادة والجنة وتؤديهم إلى اجر كبير، وترشدهم إلى الخير كله لكن جنس الانسان عجول لا يفرق لعجلته بين الخير والشر بل يطلب كل ما لاح له ويسال كل ما بدا له فتعلق به هواه من غير تمييز بين الخير والشر والحق والباطل فيرد الشر كما يرد الخير ويهجم على الباطل كما يهجم على الحق.
وليس ينبغي له ان يستعجل ويطلب كل ما يهواه ويشتهيه ولا يحق له ان يرتكب كل ما له استطاعة ارتكابه، ويقترف كل ما اقدره الله عليه ومكنه منه مستندا إلى أنه من التيسير الإلهي ولو شاء لمنعه فهذان الليل والنهار وآيتان إلهيتان وليستا على نمط واحد بل آية الليل ممحوة تسكن فيها الحركات وتهدأ فيها العيون، وآية النهار مبصرة تنتبه فيها القوى ويبتغي فيها الناس من فضل ربهم ويعلمون بها عدد السنين والحساب.