فالمقام مقام بيان ان اثر العمل لصاحبه خيرا كان أو شرا، وليس مقام بيان ان الاحسان ينفع صاحبه والإساءة تضره حتى يقال: وان أسأتم فعليها كما قيل: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) البقرة: 286.
فلا حاجة إلى ما تكلفه بعضهم ان اللام في قوله: (وان أسأتم فلها) بمعنى على، وقول آخرين: انها بمعنى إلى لان الإساءة تتعدى بها يقال: أساء إلى فلان ويسئ إليه إساءة، وقول آخرين: انها للاستحقاق كقوله: (ولهم عذاب اليم).
وربما اورد على كون اللام للاختصاص بان الواقع على خلافه فكثيرا ما يتعدى اثر الاحسان إلى غير محسنه واثر الإساءة إلى غير فاعلها وهو ظاهر.
والجواب عنه ان فيه غفلة عما يراه القرآن الكريم في آثار الأعمال اما آثار الأعمال الأخروية فإنها لا تتعدى صاحبها البتة قال تعالى: (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) الروم: 44، واما الآثار الدنيوية فان الأعمال لا تؤثر اثرا في غير فاعلها الا ان يشاء الله من ذلك شيئا على سبيل النعمة على الغير أو النقمة أو الابتلاء والامتحان فليس في مقدرة الفاعل ان يوصل اثر فعله إلى الغير دائما الا أحيانا يريده الله لكن الفاعل يلحقه اثر فعله الحسن أو السئ دائما من غير تخلف.
فللمحسن نصيب من احسانه وللمسئ نصيب من إساءته، قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) الزلزال: 8 فاثر الفعل لا يفارق فاعله إلى غيره، وهذا معنى ما روى عن علي عليه السلام انه قال: ما أحسنتم إلى أحد ولا أسأت إليه وتلا الآية قوله تعالى: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) التتبير الا هلاك من التبار بمعنى الهلاك والدمار.
وقوله: (ليسوؤا وجوهكم) من المساءة يقال: ساء زيد فلانا إذا أحزنه وهو على ما قيل متعلق بفعل مقدر محذوف للايجاز، واللام للغاية والتقدير بعثناهم ليسوؤا وجوهكم بظهور الحزن والكآبة فيها وبدو آثار الذلة والمسكنة وصغار الاستعباد عليها بما يرتكبونه فيكم من القتل الذريع والسبي والنهب.
وقوله: (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة) المراد بالمسجد هو المسجد الأقصى