كذلك اعمال الشر والخير جميعا كائنة في الوجود بإذن الله مقدورة للانسان باقداره سبحانه لكن ذلك لا يكون دليلا على جواز ارتكاب الانسان الشر والخير جميعا وان يستعجل فيطلب كل ما بدا له فيرد الشر كما يرد الخير ويقترف المعصية كما يقترف الطاعة بل يجب عليه ان يأخذ عمل الشر ممحوا فلا يقترفه وعمل الخير مبصرا فيأتي به ويبتغي بذلك فضل ربه من سعادة الآخرة والرزق الكريم فان عمل الانسان هو طائره الذي يدله على سعادته وشقائه، وهو لازم له غير مفارقة فما عمله من خير أو شر فهو لا يفارقه إلى غيره ولا يستدل به سواه.
هذا ما يعطيه السياق من معنى الآية ويتبين به:
اولا: ان الآية وما يتلوها من الآيات مسوقة لغرض التوبيخ واللوم، وهو وجه اتصالها وما بعدها بما تقدمها من قوله: (ان هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم) الآية كما أشرنا إليه آنفا فهو سبحانه يلوم الانسان انه لما به من قريحة الاستعجال لا يقدر نعمة الهداية الإلهية حق قدرها ولا يفرق بين الملة التي هي أقوم وبين غيرها فيدعو بالشر دعاءه بالخير ويقصد الشقاء كما يقصد السعادة.
وثانيا: ان المراد بالانسان هو الجنس دون افراد معينة منه كالكفار والمشركين كما قيل، وبالدعاء مطلق الطلب لا الدعاء المصطلح كما قيل، وبالخير والشر ما فيه سعادة حياته أو شقاؤه بحسب الحقيقة دون مطلق ما يضر وينفع كدعاء الانسان على من رضى عنه بالنجاح والفلاح وعلى من غضب عليه بالخيبة والخسران وغير ذلك.
وبالعجلة حب الانسان ان يسرع ما يهواه إلى التحقق دون اللج والتمادي على طلب العذاب والمكروه.
وللمفسرين اختلاف عجيب في مفردات الآية، وكلمات مضطربة في بيان وجه اتصال الآية وكذا الآيات التالية بما قبلها تركنا ايرادها والغور فيها لعدم جدوى في التعرض لها من أرادها فليراجع كتبهم.
قوله تعالى: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) إلى آخر الآية، قال في المجمع: مبصرة أي مضيئة منيرة نيرة قال أبو عمرو: أراد يبصر بها كما يقال: ليل نائم وسر كاتم، وقال الكسائي: العرب تقول: أبصر النهار إذا أضاء. انتهى موضع الحاجة.