على سبيل المجازاة، وكذا لا مانع من عد الكفار عبادا لله مع ما تعقبه من قوله:
(أولى باس شديد).
ونظيره قول من قال: يجوز ان يكون هؤلاء المبعوثون مؤمنين أمرهم الله بجهاد هؤلاء، ويجوز ان يكونوا كفارا فتألفهم نبي من الأنبياء لحرب هؤلاء وسلطهم على أمثالهم من الكفار والفساق، ويرد عليه نظير ما يرد على سابقه.
وقوله: (وكان وعدا مفعولا) تأكيد لكون القضاء حتما لازما والمعنى فإذا جاء وقت الوعد الذي وعدناه على المرة الأولى من افسادكم مرتين بعثنا وأنهضنا عليكم من الناس عبادا لنا أولى باس وشدة شديدة فدخلوا بالقهر والغلبة أرضكم وتوسطوا في دياركم فأذلوكم واذهبوا استقلالكم وعلوكم وسؤددكم وكان وعدا مفعولا لا محيص عنه.
قوله تعالى: (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) قال في المجمع: الكرة معناه الرجعة والدولة، والنفير العدد من الرجال قال الزجاج: ويجوز ان يكون جمع نفر كما قيل: العبيد والضئين والمعيز والكليب، ونفر الانسان ونفره ونفيره ونافرته رهطه الذين ينصرونه وينفرون معه انتهى.
ومعنى الآية ظاهر، وظاهرها ان بني إسرائيل ستعود الدولة لهم على أعدائهم بعد وعد المرة الأولى فيغلبونهم ويقهرونهم ويتخلصون من استعبادهم واسترقاقهم وان هذه الدولة سترجع إليهم تدريجا في برهة معتد بها من الزمان كما هو لازم امدادهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرا.
وفي قوله في الآية التالية: (ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها) اشعار بل دلالة بمعونة السياق ان هذه الواقعة وهى رد الكرة لبني إسرائيل على أعدائهم انما كانت لرجوعهم إلى الاحسان بعد ما ذاقوا وبال اساءتهم قبل ذلك كما أن انجاز وعد الآخرة انما كان لرجوعهم ثانيا إلى الإساءة بعد رجوعهم هذا إلى الاحسان.
قوله تعالى: (ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها) اللام في (لأنفسكم) و (فلها) للاختصاص أي ان كلا من احسانكم وإساءتكم يختص بأنفسكم دون ان يلحق غيركم، وهى سنة الله الجارية ان العمل يعود اثره وتبعته إلى صاحبه ان خيرا وان شرا فهو كقوله: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) البقرة - 141.