ومعنى الآية وأخبرنا واعلمنا بني إسرائيل اخبارا قاطعا في الكتاب وهو التوراة:
أقسم وأحق هذا القول انكم شعب إسرائيل ستفسدون في الأرض وهى ارض فلسطين وما يتبعها مرتين مرة بعد مرة وتعلون علوا كبيرا وتطغون طغيانا عظيما.
قوله تعالى: (فإذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا) الخ قال الراغب:
البؤس والباس والبأساء الشدة والمكروه الا ان البؤس في الفقر والحرب أكثر والباس والبأساء في النكاية نحو والله أشد بأسا وأشد تنكيلا. انتهى موضع الحاجة.
وفي: المجمع الجوس التخلل في الديار يقال: تركت فلان يجوس بنى فلان ويجوسهم ويدوسهم أي يطؤهم، قال أبو عبيد: كل موضع خالطته ووطأته فقد حسته وجسته قال: وقيل: الجوس طلب الشئ باستقصاء. انتهى.
وقوله: (فإذا جاء وعد اولاهما) تفريع على قوله: (لتفسدن) الخ، وضمير التثنية راجع إلى المرتين وهما الافسادتان فالمراد بها الافسادة الأولى، والمراد بوعد اولاهما ما وعدهم الله من النكال والنقمة على افسادهم فالوعد بمعنى الموعود، ومجئ الوعد كناية عن وقت انجازه، ويدل ذلك على أنه وعدهم على افسادهم مرتين وعدين ولم يذكرا انجازا فكأنه قيل: لتفسدن في الأرض مرتين ونحن نعدكم الانتقام على كل منهما فإذا جاء وعد المرة الأولى (الخ) كل ذلك معونة السياق.
وقوله: (بعثنا عليكم عبادا لنا أولى باس شديد) أي أنهضناهم وأرسلناهم إليكم ليذلوكم وينتقموا منكم، والدليل على كون البعث للانتقام والاذلال قوله: أولى باس شديد) الخ.
ولا ضير في عد مجيئهم إلى بني إسرائيل مع ما كان فيه من القتل الذريع والأسر والسبي والنهب والتخريب بعثا الهيا لأنه كان على سبيل المجازاة على افسادهم في الأرض وعلوهم وبغيهم بغير الحق، فما ظلمهم الله ببعث أعدائهم وتأييدهم عليهم ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم.
وبذلك يظهر ان لا دليل من الكلام يدل على قول من قال: ان المراد بقوله: (بعثنا عليكم (الخ) أمرنا قوما مؤمنين بقتالكم وجهادكم لاقتضاء ظاهر قوله: (بعثنا) وقوله (عبادا) ذلك، وذلك لما عرفت ان عد ذلك بعثا الهيا لا مانع فيه بعد ما كان