تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٤٧
واما الآخرة فينسيه شؤنها كما تقدم وقوله وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي السلطان كما ذكره الراغب هو السلاطة وهو التمكن من القهر وتسمى الحجة أيضا سلطانا لما فيها من التمكن من قهر العقول على ما لها من النتائج وكثيرا ما يطلق ويراد به ذو السلطان كالملك وغيره.
والظاهر أن المراد ما هو أعم من السلطة الصورية والمعنوية فالمعنى وما كان في الدنيا لي عليكم من تسلط لا من جهة أشخاصكم وأعيانكم فأجبركم على معصية الله بسلب اختياركم وتحميل إرادتي عليكم ولا من جهة عقولكم فأقيم لكم الحجة على الشرك كيفما شئت فتضطر عقولكم لقبوله وتطيعها نفوسكم فيما تأمرها به.
والظاهر أيضا ان يكون الاستثناء في قوله إلا أن دعوتكم منقطعا والمعنى لكن دعوتكم من غير أي سلطان فاستجبتم لي ودعوة الناس إلى الشرك والمعصية وان كانت بإذن الله لكنها لم تكن تسليطا فان الدعوة إلى فعل ليست تسلطا من الداعي على فعل المدعو وان كان نوع تسلط على نفس الدعوة ومن الدليل عليه قوله تعالى: " فيما يأذن له واستفزز من استطعت منهم بصوتك إلى أن قال وعدهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا " اسرى - 65.
ومن هنا يظهر سقوط ما وجه به الرازي في تفسيره كون الاستثناء متصلا إذ قال إن القدرة على حمل الانسان على الشئ تارة تكون بالقهر من الحامل وتارة تكون بتقوية الداعية في قلبه وذلك بالقاء الوسواس إليه وهذا نوع من أنواع التسلط فكأنه قال ما كان لي تسلط عليكم الا بالوسوسة لا بالضرب ونحوه.
وجه السقوط ان عدم كون مجرد الدعوة سلطانا وتمكنا من القهر على المدعو بديهي لا يقبل التشكيك فعدة من أنواع التسلط مما لا يصغى إليه.
نعم ربما انبعثت من المدعو ميل نفساني إلى المدعو إليه فانقاد للدعوة وسلط الداعي بدعوته على نفسه لكنه تسليط من المدعو لا تسلط من الداعي وبعبارة
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست