وجود نفسه منه تعالى بل إن هذا المسبب يتوقف في اخذه الوجود منه تعالى إلى اخذ سببه الوجود منه تعالى قبل ذلك وقد تقدم بعض الكلام في توضيح ذلك من قريب.
وهذا معنى توحيد القرآن والدليل عليه من جهة لفظه أمثال قوله: " ألا له الخلق والامر " الأعراف: 54 وقوله: " إن القوة لله جميعا " البقرة: 165 وقوله:
" الله خالق كل شئ " الزمر: 62 وقوله: " إن الله على كل شئ قدير " النحل: 77.
والدليل على ما قدمناه في معنى النفي والاثبات في الآية قوله تعالى مسخرات فان التسخير انما يتحقق بقهر أحد السببين الاخر في فعله على ما يريده السبب القاهر ففي لفظه دلالة على إن للمقهور نوعا من السببية.
وليس طيران الطائر في جو السماء بالحقيقة بأعجب من سكون الانسان في الأرض فالجميع ينتهى إلى صنعه تعالى على حد سواء لكن ألفة الانسان لبعض الأمور وكثرة عهده به توجب خمود قريحة البحث عنه فإذا صادف ما يخالف ما ألفه وكثر عهده به كالمستثنى من الكلية انتبه لذلك وانتزعت القريحة للبحث عنه والانسان يرى الأجسام الأرضية الثقيلة معتمدة على الأرض مجذوبة إليها فإذا وجد الطير مثلا تنقض كلية هذا الحكم بطيرانها تعجب منه وانبسط للبحث عنه والحصول على علته وللحق نصيب من هذا البحث وهذا هو أحد الأسباب في اخذ هذا النوع من الأمور في القرآن مواد للاحتجاج.
وقوله ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون أي في كونها مسخرات في جو السماء فان للطير وهو في الجو دفيفا وصفيفا وبسطا لأجنحتها وقبضا وسكونا وانتقالا وصعودا ونزولا وهى جميعا آيات لقوم يؤمنون كما ذكره الله.
قوله تعالى والله جعل لكم من بيوتكم سكنا إلى آخر الآية في المفردات البيت مأوى الانسان بالليل لأنه يقال بات أقام بالليل كما يقال ظل بالنهار ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والابيات بالشعر قال ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر انتهى موضع الحاجة.
والسكن ما يسكن إليه والظعن الارتحال وهو خلاف الإقامة والصوف