تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٧٧
الاستخفاء والتخفي وهو مأخود من الوراء والهون الذلة والخزي والدس الاخفاء.
والمعنى يستخفى هذا المبشر بالبنت من القوم من سوء ما بشر به على عقيدته ويتفكر في امره أيمسك ما بشر به وهى البنت على ذلة من امساكه وحفظه أم يخفيه في التراب كما كان ذلك عادتهم في المواليد من البنات كما قيل إن أحدهم كان يحفر حفيرة صغيرة فإذا كان المولود أنثى جعلها في الحفيرة وحثا عليها التراب حتى تموت تحته وكانوا يفعلون ذلك مخافة الفقر عليهن فيطمع غير الأكفاء فيهن.
وأول ما بدا لهم ذلك أن بنى تميم غزوا كسرى فهزمهم وسبى نساءهم وذراريهم فأدخلهن دار الملك واتخذ البنات جواري وسرايا ثم اصطلحوا بعد برهة واستردوا السبايا فخيرن في الرجوع إلى أهلهن فامتنعت عدة من البنات فاغضب ذلك رجال بنى تميم فعزموا لا تولد لهم أنثى إلا وأدوها ودفنوها حية ثم تبعهم في ذلك بعض من دونهم فشاع بينهم وأد البنات.
وقوله ألا ساء ما يحكمون هو حكمهم ان له البنات ولهم البنون لا لهوان البنات وكرامة البنين في نفس الامر بل معنى هذا الحكم عندهم ان يكون لله ما يكرهون ولهم ما يحبون وقيل المراد بالحكم حكمهم بوجوب وأد البنات وكون امساكهن هونا وأول الوجهين أوفق وأنسب للآية التالية.
قوله تعالى: " للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم " المثل هو الصفة ومنه سمى المثل السائر مثلا لأنه صفة تسير في الألسن وتجرى في كل موضع تناسبه وتشابهه.
والسوء بالفتح والسكون مصدر ساء يسوء كما أن السوء بالضم اسمه وإضافة المثل إلى السوء تفيد التنويع فان الأشياء انما توصف اما من جهة حسنها واما من جهة سوئها وقبحها فالمثل مثلان مثل الحسن ومثل السوء.
والحسن والقبح ربما كانا من جهة الخلقة لا صنع للانسان ولا مدخل لاختياره فيهما كحسن الوجه ودمامة الخلقة وربما لحقا من جهة الأعمال الاختيارية كحسن العدل وقبح الظلم وانما يحمد ويذم العقل ما كان من القسم الثاني دون القسم الأول فيدور الحمد والذم بحسب الحقيقة مدار العمل بما تستحسنه وتأمر به الفطرة الانسانية
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»
الفهرست