كانوا من أهل المعصية وهذا تقرير بين وكلام ظاهر انتهى.
ومقتضى كلامه شمول الآية لمن اتقى الشرك ولو اقترف جميع الكبائر الموبقة التي نص الكتاب العزيز باستحقاق النار باتيانها وترك جميع الواجبات التي نص على تركها بمثله والمستأنس بكلامه تعالى المتدبر في آياته لا يرتاب في أن القرآن لا يسمى مثل هذا متقيا ولا يعده من المتقين وقد أكثر القرآن ذكر المتقين وبشرهم بالجنة بشارة صريحة فيما يقرب من عشرين موضعا وصفهم في كثير منها باجتناب المحارم وبذلك فسر التقوى في الحديث كما تقدم.
ثم إن مجرد صحة اطلاق الوصف أمر والتسمية أمر آخر فلا يسمى بالمؤمنين والمحسنين والقانتين والمخلصين والصابرين وخاصة في الأوصاف التي تحتمل البقاء والاستمرار الا من استقر فيه الوصف ولو صح ما ذكره في المتقين لجرى مثل ذلك في الظالمين والفاسقين والمفسدين والمجرمين والغاوين والضالين وقد أوعدهم الله النار وادى ذلك إلى تدافع عجيب واختلال في كلامه تعالى ولو قيل إن هناك ما يصرف هذه الآيات ان تشمل المرة والمرتين كآيات التوبة والشفاعة ونظائرها فهناك ما يصرف هذه الآية ان تشمل المتقى بالمرة والمرتين وهى نفس آيات الوعيد على الكبائر الموبقة كآيات الزنا والقتل ظلما والربا واكل مال اليتيم وأشباهها.
ثم الذي ذكره في تقريب الدلالة وجوه واهية كقوله ان هذه الآية وقعت عقيب قول إبليس الخ فإنك قد عرفت فيما تقدم ان ذلك لا ينفعه شيئا وكقوله ان زيادة قيد آخر بعد الايمان خلاف الأصل الخ فان الأصل انما يركن إليه عند عدم الدليل اللفظي وقد عرفت ان هناك آيات جمة صالحة للتقييد.
وكقوله ان ذلك خلاف الظاهر وكأنه يريد به ظهور المطلق في الاطلاق وقد ذهب عليه ان ظهور المطلق انما هو حجة فيما إذا لم يكن هناك ما يصلح للتقييد.
فالحق ان الآية انما تشمل الذين استقرت فيهم ملكة التقوى وهو الورع عن محارم الله فأولئك هم المقضى عليهم بالسعادة والجنة قضاء لازما نعم المستفاد من الكتاب والسنة إن أهل التوحيد وهم من حضر الموقف بشهادة ان لا إله إلا الله لا يخلدون في النار ويدخلون الجنة لا محالة وهذا غير دلالة آية المتقين على ذلك.