تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٥٧
وهجرت الألفاظ معانيها إلى أضدادها تطلق الحرية والشرافة والعدالة والفضيلة ولا يراد بها الا الرقية والخسة والظلم والرذيلة.
وبالجملة السنن والقوانين لا تأمن التخلف والضيعة الا إذا تأسست على أخلاق كريمة انسانية واستظهرت بها.
ثم الأخلاق لا تفي بإسعاد المجتمع ولا تسوق الانسان إلى صلاح العمل الا إذا اعتمدت على التوحيد وهو الايمان بأن للعالم ومنه الانسان الها واحدا سرمديا لا يعزب عن علمه شئ ولا يغلب في قدرته عن أحد خلق الأشياء على أكمل نظام لا لحاجة منه إليها وسيعيدهم إليه فيحاسبهم فيجزى المحسن باحسانه ويعاقب المسئ بإساءته ثم يخلدون منعمين أو معذبين.
ومن المعلوم ان الأخلاق إذا اعتمدت على هذه العقيدة لم يبق للانسان هم الا مراقبة رضاه تعالى في أعماله وكان التقوى رادعا داخليا له عن ارتكاب الجرم ولولا ارتضاع الأخلاق من ثدي هذه العقيدة عقيدة التوحيد لم يبق للانسان غاية في أعماله الحيوية الا التمتع بمتاع الدنيا الفانية والتلذذ بلذائذ الحياة المادية وأقصى ما يمكنه ان يعدل به معاشه فيحفظ به القوانين الاجتماعية الحيوية ان يفكر في نفسه ان من الواجب عليه ان يلتزم القوانين الدائرة حفظا للمجتمع من التلاشي وللاجتماع من الفساد وان من اللازم عليه ان يحرم نفسه من بعض مشتهياته ليحتفظ به المجتمع فينال بذلك البعض الباقي ويثنى عليه الناس ويمدحوه ما دام حيا أو يكتب اسمه في أوراق التاريخ بخطوط ذهبية.
اما ثناء الناس وتقديرهم العمل فإنما يجرى في أمور هامة علموا بها اما الجزئيات وما لم يعلموا بها كالأعمال السرية فلا وقاء يقيها واما الذكر الجاري والاسم السامي ويؤثر غالبا فيما فيه تفدية وتضحية من الأمور كالقتل في سبيل الوطن وبذل المال والوقت في ترفيع مباني الدولة ونحو ذلك فليس ممن يبتغيه ويذعن به ثم لا يذعن بما وراء الحياة الدنيا الا اعتقادا خرافيا إذ لا انسان على هذا بعد الموت والفوت حتى يعود إليه شئ من النفع بثناء أو حسن ذكر وأي عاقل يشترى تمتع غيره بحرمان نفسه من غير أي فائدة عائدة أو يقدم الحياة لغيره باختيار الموت لنفسه وليس عنده بعد الموت الا البطلان والاعتقاد الخرافي يزول بأدنى تنبه والتفات.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست