ومنها التأثر والانفعال عند مشاهدة المكروه والشر كالشوق والميل والحب وغير ذلك عند مشاهدة المحبوب والخير عبثا باطلا فإن جلب الخير والنفع ودفع الشر والضرر مما فطر على ذلك أنواع الموجودات على كثرتها، وعليه يدور رحى الوجود في نظامه العام.
ولما كان هذا النوع المسمى بالانسان إنما يسير في مسير بقائه بالشعور والإرادة كان عمل الجلب والدفع فيه مترشحا عن شعوره وإرادته، ولا يتم إلا عن تأثر نفساني يسمى في جانب الحب ميلا وشهوة وفي جانب البغض والكراهة خوفا ووجلا.
ثم لما كانت هذه الأحوال النفسانية الباطنة ربما ساقت الانسان إلى أحد جانبي الافراط والتفريط كان من الواجب على الانسان أن يقوم من الدفع على ما ينبغي وهو فضيلة الشجاعة كما أن من الواجب عليه أن يبادر من الجلب إلى ما ينبغي على ما ينبغي، وهو فضيلة العفة وهما حدا الاعتدال بين الافراط والتفريط، وأما انتفاء التأثر بأن يلقى الانسان بنفسه إلى التهلكة الصريحة في باب الدفع وهو التهور، اولا تنزع نفسه إلى شئ مطلوب قط في باب الجلب والشهوة وهو الخمول وكذا بلوغ التأثر من القوة إلى حيث ينسى الانسان نفسه ويذهل عن واجب رأيه وتدبيره فيجزع عن كل شبح يتراءى له في باب الدفع وهو الجبن أو ينكب على كل ما تهواه نفسه وتشتهيه كالبهيمة على عليقها في باب الشهوة وهو الشره فجميع هذه من الرذائل.
والذي آثر الله سبحانه به أنبياءه من العصمة إنما يثبت في نفوسهم فضيلة الشجاعة دون التهور، وليست الشجاعة تقابل الخوف الذي هو مطلق التأثر عن مشاهدة المكروه، وهو الذي يدعو النفس إلى القيام بواجب الدفع، وإنما تقابل الجبن الذي هو بلوغ التأثر النفساني إلى حيث يبطل الرأي والتدبير ويستتبع العي والانهزام.
قال تعالى: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله) الأحزاب: 39، وقال مخاطبا لموسى عليه السلام: (لا تخف إنك أنت الاعلى) طه:
68، وقال حكاية عن قول شعيب له عليهما السلام: (لا تخف نجوت من القوم