وقوله: (إنه حميد مجيد) في مقام التعليل لقوله: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) أي إنه تعالى مصدر كل فعل محمود ومنشأ كل كرم وجود يفيض من رحمته وبركاته على من يشاء من عباده.
قوله تعالى: (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط) الروع الخوف والرعب والمجادلة في الأصل الالحاح في البحث والمسألة للغلبة في الرأي، والمعنى انه لما ذهب عن إبراهيم ما اعتراه من الخيفة بتبين ان النازلين به لا يريدون به سوءا ولا يضمرون له شرا. وجاءته البشرى بأن الله سيرزقه وزوجه إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب اخذ يجادل الملائكة في قوم لوط يريد بذلك ان يصرف عنهم العذاب.
فقوله: (يجادلنا في قوم لوط) لحكاية الحال الماضية أو بتقدير فعل ماض قبله وتقديره: اخذ يجادلنا الخ، لان الأصل في جواب لما ان يكون فعلا ماضيا.
ويظهر من الآية ان الملائكة أخبروه اولا: بأنهم مرسلون إلى قوم لوط ثم ألقوا إليه البشارة ثم جرى بينهم الكلام في خصوص عذاب قوم لوط فأخذ إبراهيم عليه السلام يجادلهم ليصرف عنهم العذاب فأخبروه بأن القضاء حتم، والعذاب نازل لا مرد له.
والذي ذكره الله من مجادلته عليه السلام الملائكة هو قوله في موضع آخر: (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) العنكبوت: 32.
قوله تعالى: (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) الحليم هو الذي لا يعاجل العقوبة والانتقام، والأواه كثير التأوه مما يصيبه أو يشاهده من السوء، والمنيب من الإنابة وهو الرجوع والمراد الرجوع في كل أمر إلى الله.
والآية مسوقة لتعليل قوله في الآية السابقة: (يجادلنا في قوم لوط) وفيه مدح بالغ لإبراهيم عليه السلام وبيان أنه إنما كان يجادل فيهم لأنه كان حليما لا يعاجل نزول العذاب على الظالمين رجاء أن يأخذهم التوفيق فيصلحوا ويستقيموا، وكان