نظمها وأجراها في هذا العالم حتى يرجى منها خير بالارضاء أو يترقب شر بالاسخاط.
فالله سبحانه هو الذي يجب أن يعبد فيرجى بذلك رضاه، ويتقى بذلك سخطه لمكان أنه هو الخالق للانسان ولكل شئ المدبر أمره وأمر كل شئ فقوله:
(هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) مسوق لتعليل سابقه والاحتجاج عليه من طريق إثبات النسبة بينه تعالى وبين الانسان ونفى الاستقلال من الأسباب.
ولذلك عقبه بقوله: (فاستغفروه ثم توبوا إليه) على وجه التفريع أي فإذا كان الله تعالى هو الذي يجب عليكم أن تعبدوه وتتركوا غيره لكونه هو خالقكم المدبر لأمر حياتكم فاسألوه أن يغفر لكم معصيتكم بعبادة غيره، وارجعوا إليه بالايمان به وعبادته. إنه قريب مجيب.
وقد علل قوله: (فاستغفروه) الخ، بقوله: (إن ربى قريب مجيب) لأنه استنتج من حجته المذكورة أنه تعالى يقوم بإيجاد الانسان وتربيته وتدبير أمر حياته، وأنه لا استقلال لشئ من الأسباب العمالة في الكون بل الله تعالى هو الذي يسوق هذا إلى هنا، ويصرف ذاك عن هناك فهو تعالى الحائل بين الانسان وبين حوائجه وجميع الأسباب العمالة فيها، القريب منه لا كما يزعمون أنه لا يدركه فهم ولا يناله عبادة وقربان، وإذا كان قريبا فهو مجيب، وإذا كان قريبا مجيبا وهو الله لا إله غيره فمن الواجب أن يستغفروه ثم يتوبوا إليه.
قوله تعالى: (قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا) الخ، الرجاء إنما يتعلق بالانسان لا من جهة ذاته بل من جهة أفعاله وآثاره، ولا يرجى منها إلا الخير والنفع فكونه مرجوا هو أن يوجد ذا رشد وكمال في شخصه وبيته فيستهل منه الخير ويترقب منه النفع، وقوله: (قد كنت فينا) دليل على كونه مرجوا لعامتهم وجمهورهم.
فقولهم: (يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا معناه أن ثمود كانت ترجو منك أن تكون من أفرادها الصالحة تنفع بخدماتك مجتمعهم وتحمل الأمة على صراط الترقي والتعالي لما كانت تشاهد فيك من امارات الرشد والكمال لكنهم يئسوا منك ومن رزانة رأيك اليوم بما أبدعت من القول وأقمت من الدعوة.