تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٣٨
عليه صورة ذهنية لا في الدنيا ولا في الآخرة ضرورة، ولا أن موسى ذاك النبي العظيم أحد الخمسة أولي العزم وسادة الأنبياء عليهم السلام ممن يليق بمقامه الرفيع وموقفه الخطير أن يجهل ذلك، ولا أن يمني نفسه بأن الله سبحانه أن يقوي بصر الانسان على أن يراه ويشاهده سبحانه منزها عن وصمة الحركة والزمان، والجهة والمكان، وألواث المادة الجسمية وأعراضها فإنه قول أشبه بغير الجد منه بالجد فما محصل القول: أن من الجائز في قدرة الله أن يقوي سببا ماديا أن يعلق عمله الطبيعي المادي - مع حفظ حقيقة السبب وهوية أثره - بأمر هو خارج عن المادة وآثارها متعال عن القدر والنهاية؟ فهذا الابصار الذي عندنا وهو خاصة مادية من المستحيل أن يتعلق بما لا أثر عنده من المادة الجسمية وخواصها فإن كان موسى يسأل الرؤية فإنما سأل غير هذه الرؤية البصرية، وبالملازمة ما ينفيه الله سبحانه في جوابه فإنما ينفي غير هذه الرؤية البصرية فأما هي فبديهية الانتفاء لم يتعلق بها سؤال ولا جواب، وقد أطلق الله الرؤية وما يقرب منها معنى في موارد من كلامه وأثبتها كقوله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " القيامة: 23، وقوله: " ما كذب الفؤاد ما رأى " النجم: 11، وقوله: " من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت " العنكبوت - 5، وقوله: " أ ولم يكف ربك أنه على كل شئ شهيد ألا أنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط " حم السجدة: 54، وقوله: " فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " الكهف: 110، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة المثبتة للرؤية وما في معناه قبال الآيات النافية لها كما في هذه الآية: " قال لن تراني " وقوله: " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار " الانعام: 103، وغير ذلك.
فهل المراد بالرؤية حصول العلم الضروري سمي بها لمبالغة في الظهور ونحوها كما قيل.
لا ريب أن الآيات تثبت علما ما ضروريا لكن الشأن في تشخيص حقيقة هذا العلم الضروري فإنا لا نسمي كل علم ضروري رؤية وما في معناه من اللقاء ونحوه كما نعلم بوجود إبراهيم الخليل وإسكندر وكسرى فيما مضى ولم نرهم، ونعلم علما ضروريا بوجود لندن وشيكاغو ومسكو ولم نرها، ولا نسميه رؤية وإن بالغنا فأنت تقول:
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست