ولا سبيل لنا إلى ما لا نشاهده؟ كما يقوله عبدة الأصنام. فقال: اعبدوه بما تعرفونه من صفته فإنه فضلكم على سائر الأمم بآياته الباهرة ودينه الحق وإنجائكم من فرعون وعمله، فالآية - كما ترى - ألطف بيان وأوجز برهان يجلي عن الحق الصريح للأذهان الضعيفة التعقل.
قوله تعالى: " وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب " إلى آخر الآية. سامه العذاب يسومه أي حمله ذلك على طريق الاذلال، والتقتيل الاكثار في القتل والاستحياء الاستبقاء للخدمة وقد تقدم، والظاهر أن قوله: " وفي ذلكم " إشارة إلى ما ذكر من سوء تعذيب آل فرعون لهم.
والآية خطاب امتناني للموجودين من أخلافهم حين النزول يمتن الله فيها عليهم بما من به على آبائهم في زمن فرعون كما قيل، والأنسب بالسياق أن يكون خطابا لأصحاب موسى بعينهم مسوقا سوق التعجب إذا نسوا عظيم نعمة الله عليهم إذ أنجاهم من تلك البلية العظيمة، ونظيره في الغيبة قوله تعالى فيما سيأتي: " أ لم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ".
قوله تعالى: " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة " إلى آخر الآية. الميقات قريب المعنى من الوقت، قال في المجمع: الفرق بين الميقات والوقت أن الميقات ما قدر ليعمل فيه عمل من الأعمال، والوقت وقت الشئ وقدره، ولذلك قيل: مواقيت الحج وهي المواضع التي قدرت لاحرام فيها (انتهى).
وقد ذكر الله سبحانه المواعدة وأخذ أصلها ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر ليال أخر ثم ذكر الفذلكة وهى أربعون، وإما الذي ذكره في موضع آخر إذ قال: " وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة " البقرة: 51 فهو المجموع المتحصل من المواعدتين أعني أن آية البقرة تدل على أن مجموع الأربعين كان عن مواعدة، وآية الأعراف على أن ما في آية البقرة مجموع المواعدتين.
وبالجملة يعود المعنى إلى أنه تعالى وعده ثلاثين ليلة للتقريب والتكليم ثم وعده عشرا آخر لاتمام ذلك فتم ميقات ربه أربعين ليلة، ولعله ذكر الليالي دون الأيام - مع أن موسى مكث في الطور الأربعين بأيامها ولياليها، والمتعارف في ذكر المواقيت