إلى غير ذلك مع أن الجميع ينافي الألوهية لان هاتين الصفتين أعني التكليم والهداية من أوضح ما تستلزمه الألوهية من الصفات عند من يتخذ شيئا إلها إذ من الواجب أن يعبده بما يرتضيه ويسلك إليه من طريق يوصل إليه، ولا يعلم ذلك إلا من قبل الاله بوجه فهو الذي يجب أن يهديه إلى طريق عبادته بنوع من التكليم والتفهيم، وقد رأوا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا.
على أنهم عهدوا من موسى أن الله سبحانه يكلمه ويهديه، ويكلمهم ويهديهم بواسطته، وقد قالوا حين أخرج السامري لهم العجل: " هذا إلهكم وإله موسى " طه: 88، فلو كان العجل هو الذي أومأ إليه السامري لكلمهم وهداهم سبيلا.
وبالجملة فقد كان من الواضح البين عند عقولهم لو عقلوا أنه ليس هو، ولذلك أردفه بقوله: " اتخذوه وكانوا ظالمين " كأنه قيل: فلم اتخذوه وأمره بذاك الوضوح، فقيل:
" اتخذوه وكانوا ظالمين ".
قوله تعالى: " ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا " إلى آخر الآية.
قال في المجمع: معنى " سقط في أيديهم " وقع البلاء في أيديهم أي وجدوه وجدان من يده فيه يقال ذلك للنادم عند ما يجده مما كان خفي عليه، ويقال: سقط في يده، وأسقط في يده وبغير ألف أفصح، وقيل معناه صار الذي يضر به ملقى في يده انتهى وقد ذكر في مطولات التفاسير وجوه كثيرة توجه بها هذه الجملة، جلها أو كلها لا تخلو من تعسف، وأقرب الوجوه ما نقلناه عن المجمع منقولا عن بعضهم فإن ظاهر سياق الآية أن المراد بقوله: " ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا " أنهم لما التفتوا إلى ما فعلوه وأجالوا النظر فيه دقيقا ثانيا ورأوا عند ذلك أنهم قد ضلوا قالوا: كذا وكذا فالجملة تفيد معنى التنبه لما ذهلوا عنه والتبصر بما أغفلوه كأنهم عملوا شيئا فقدموه إلى ما عملوا له فرده إليهم ورمى به نحوهم فتناولوه بأيديهم فسقط فيها فرأوا من قريب أنهم ضلوا فيما زعموا، وأهملوا فيه أمرا ما كان لهم أن يهملوه، وفات منهم ما فسد بفوته ما عملوه، وعلى أي حال تجري الجملة مجرى المثل السائر.
والآية أعني قوله " ولما سقط " بحسب المعنى مترتب على الآيات التالية فإنهم