تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٣٤
إسحاق ويعقوب يوسف، وهم على دين التوحيد الذي لا يعبد فيه إلا الله سبحانه وحده لا شريك له المتعالي عن أن يكون جسما أو جسمانيا يعرض له شكل أو قدر غير أن بني إسرائيل كما يستفاد من قصصهم كانوا قوما ماديين حسيين يجرون في حياتهم على أصالة الحس ولا يعتنون بما وراء الحس إلا اعتناء تشريفيا من غير أصالة ولا حقيقة، وقد مكثوا تحت إسارة القبط سنين متطاولة، وهم يعبدون الأوثان فتأثرت من ذلك أرواحهم وإن كانت العصبية القومية تحفظ لهم دين آبائهم بوجه.
ولذلك كان جلهم لا يتصورون من الله سبحانه إلا أنه جسم من الأجسام بل جوهر ألوهي يشاكل الانسان كما هو الظاهر المستفاد من التوراة الدائرة اليوم، وكلما كان موسى يقرب الحق من أذهانهم حولوه إلى أشكال وتماثيل يتوهمون له تعالى، لهذه العلة لما شاهدوا في مسيرهم قوما يعكفون على أصنام لهم استحسنوا مثل ذلك لأنفسهم فسألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة يعكفون عليها.
فلم يجد موسى عليه السلام بدا من أن يتنزل في بيان توحيد الله سبحانه إلى ما يقارب أفهامهم على قصورها فلا مهم أولا على جهلهم بمقام ربهم مع وضوح أن طريق الوثنية طريق باطل هالك ثم عرف لهم ربهم بالصفة، وأنه لا يقبل صنما ولا يحد بمثال كما سيجئ.
قوله تعالى: " إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " المتبر من التبار وهو الهلاك، والمراد بقوله: " ما هم فيه " سبيلهم الذي يسلكونه وهو عبادة الأصنام والمراد بقوله: " ما كانوا يعملون " أعمالهم العبادية، والمعنى أن هؤلاء الوثنية طريقتهم هالكة وأعمالهم باطلة فلا يحق أن يميل إليه إنسان عاقل لان الغرض من عبادة الله سبحانه أن يهتدي به الانسان إلى سعادة دائمة وخير باق.
قوله تعالى: " قال أ غير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين " أبغيكم " إي أطلب لكم وألتمس يعرف ربهم ويصفه لهم، وقوله: " أ غير الله أبغيكم إلها " فيه تأسيس أن كل إله أبغيه لكم بجعل أو صنع فإنما هو غير الله سبحانه، والذي يجب عليكم أن تعبدوا الله ربكم بصفة الربوبية التي هي تفضيله إياكم على العالمين.
فكأنهم قالوا: " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فقال: كيف ألتمس لكم ربا مصنوعا وهو غير الله ربكم وإذا كان غيره فعبادته متبرة باطلة؟ فقالوا: فكيف نعبده ولا نراه
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست